للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإعطاء الله لعباده القدرة والإرادة والجوارح، دون تكليف، وضوابط، ومآل إليه لتجزى كل نفس بما تسعى، يقتضي كونه راضيًا: بسيء الأعمال وقبيح الأفعال!!! ومن ثم لا يوجد أدنى فرق بين المعروف والمنكر، ولا بين الطيبات والخبائث ...

ومن هنا استحال في هذه العقول الصحيحة والفطر المستقيمة: أن يترك الله الناس سدى: يتهارجون بينهم كتهارج الحمر، وينزو بعضهم كنزو الوحوش والذئاب على ضحاياها دون تكليف وشرع وضوابط وحدود، ثم مآل إليه للفصل بينهم حتى تعود الحقوق لأصحابها، ويفرق بين أوليائه وأعدائه.

فإلهيته سبحانه وربوبيته وحكمته وآثار أسمائه الحسنى وصفاته العلى تأبى أن يكون مآل المسلمين كالمجرمين، والظالمين كالمظلومين، والطائعين كالعاصين، بل وقد استقر في قرارة العقول قبح ترك الناس سدى؛ ولذا قال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} (١)

قال ابن القيم: "أي: مهملاً معطلاً لا يؤمر ولا ينهى، ولا يثاب ولا يعاقب، وهذا يدل على أن هذا مناف لكمال حكمته، وأن ربوبيته وعزته وحكمته تأبى ذلك؛ لهذا خرج الكلام مخرج الإنكار على من زعم ذلك، وهو يدل على أن حسنه مستقر في الفطر والعقول، وقبح تركه سدى معطلاً أيضًا مستقر في الفطر. فكيف ينسب إلى الرب ما قُبحه مستقر في فطركم وعقولكم؟! " (٢)

وبذلك يجزم الموحدون بأن الله جلّ في علاه قد أقام الأدلة العقلية والبراهين اليقينية على صحة كافة الأخبار الدالة على أصول الدين، تلك


(١) سورة القيامة، الآية ٣٦.
(٢) بدائع التفسير: (٥/ ٨٩).

<<  <   >  >>