قد أكون على موعد يفوتني بفواته خير عظيم، ولا يبقى بيني وبينه إلا مقدار ما ألبس ثيابي وأمشي إليه، فيجيئني ضيف لا حاجة له عندي، ولا خير له في زيارتي، ولا يبتغي مني إلا أن يدفع الملل عن نفسه بالبقاء ساعتين أو ثلاثاً عندي، فيسقط في يدي، وأحار في أمري (١): إن استقبلته ضيعت موعدي، وإن رددته أضعت «حق الضيافة» وتعرضت لسوء الأحدوثة؛ ثم أختار أهون الشرين فأرحب به وأدعوه، وآمل أن أفهمه حقيقة حالي وأعجل له بالقهوة فينصرف ... وأجلس بين يديه متململاً متضايقاً، وأتلطف في إفهامه والاعتذار إليه، فلا يحفل بي ولا بموعدي، ولا ينظر إلا إلى نفسه ورغبته في قطع الوقت بهذه الزيارة، فيقعد آمناً مطمئناً، يحدثني حديث السياسة، ويسألني عن الروس واليابان، والصين وتركستان، ويعرض عليَّ رأيه في الأنظمة التي ستعم العالم بعد الحرب ... ويفيض ويسهب، وأنا أتقلّب على النار، ويبقى على ذلك حتى لا يبقى لي منفعة من الذهاب، ولا يمكن تدارك ما فات، فينصرف ليتحدث عني بأني لقيته بجفاء وخشونة، وكلمته باقتضاب وإيجاز، ولم أوفّه «حقوق الضيافة»!
وقد أكون مستغرقاً في مطالعة، أو منصرفاً إلى كتابة قد جمعتُ لها ذهني ... فيجيئني ضيف، فأنزل إليه لأسمع منه لغو الحديث، فيتفرق ما اجتمع من ذهني، وتفسد عليّ مطالعتي، وإن أنا بعثت من يقول له:«ليس هنا» أكون قد كذبت، وإذا اعتذرت إليه بمطالعتي أو كتابتي أكون قد قصّرت في «حقوق الضيافة»!.
(١) كان ذلك من قديم ثم صرت لا أستقبل أحداً إلا بموعد.