كان حديثَ الناس في الأسبوع الذي مضى، وحديثَ الصحف، هذه الـ (أربعون ألف جنيه) التي تبرع بها البدراوي باشا وشهد عليه بها الشهود، وجاءته عليها رسائل الشكر وبرقيات التهاني، حتى إذا شبع من الثناء، وروي من المدح، وانتشى من الفخر، ونال ما كان يريده من تبرعه، ولم يبق من ورائه غنم يناله، ما بقي إلا الغرم بالـ (أربعين ألف جنيه) عاد فجحد قوله، وأنكر هبته، وطعن على الشهود، وكذب الناقلين، فعاد المهنئون له يعزونه، والمادحون إياه يهجونه، وانطلقت الألسنة بالوقيعة فيه، والنيل منه، وأذهب هذا القدح لذة المدح الأول، اشتاق إليه لما فقده، ولكن عزّ عليه أن يشتريه بـ (أربعين ألف جنيه)، وأن يؤديها كاملة فيكذب نفسه، ويثبت قول من شهد عليه، فافتداها بعشرة آلاف رفعها إلى السدة الملكية، فردتها عليه، ولم تقبلها منه. وقالوا، إنه سيدعى الشعب إلى اكتتاب عام يشترك فيه الغني والفقير، يحقق به ما كان التبرع له، وهو إنشاء معمل للّقاح، يقي الناس من هذا الوباء الذي يحصد بمنجله النفوس، ويقطع الأعناق، ويودي بالأسر.
...
انتهيت من قراءة هذا الخبر، فنشأت في نفسي أسئلة كثيرة، أحببت إذاعتها لأني أتمنى أن أجد مجيباً عليها:
أولها: السؤال عن هذا التفاوت العجيب بين الناس الذي صار شعار الحياة المصرية، وآيتها ... من أين جاء؟ وكيف تركه العلماء والمصلحون وأصحاب الرأي، وذوو السلطان، ينمو ويمتد حتى يصير كالدوحة العظيمة، ولم يقطعوه وهو بعد غصن طري؟