كانت نشأتنا الأولى في عهد العثمانيين، وكانت لهم أناشيد يلقونها علينا باللسان التركي، إذ لم نكن نفهم معانيها الضخمة إلا بالترجمة، والترجمة لا تحمل دائماً لمعنى كله، فلقد كانت تهزنا ألحانها القوية المثيرة التي وضعت لتكون لمشاة الجيش قوة وعوناً. وكنا إذا أنشدناها سائرين لا نستطيع أن نقف، وإذا تلوناها واقفين سرنا، وإن قرأناها قاعدين حركنا، من غير قصد منا، أيدينا وأرجلنا - وأنها لتحرك الحجر! ثم جاء عهد فيصل، وكان عهد ازدهار وحياة ونشاط بدا في كل شيء، فنشطت فيه الأناشيد العربية من عقالها. فترجمت أكثر الأناشيد التركية. فكان منها نشيد:
أنا أمي لم تلدني ... إلا للحرب العوان
بنغمته القوية، ولحنه العاصف - وكان أسْيَرَ أناشيد ذلك الزمان وأشهرها نشيد:(أيها المولى العظيم)، الذي اعتبر النشيد الوطني السوري بل العربي، على هلهلة أسلوبه، وضعف معانيه، يليه في الشهرة والذيوع نشيد:
أنت سوريا بلادي ... أنت عنوان الفخامه
كل من يأتيك يوماً ... طامعاً يلقى حمامه
(١) ناظم هذا النشيد أديب كبير، وصديق كريم، وهو يعلم أن ليس له عندي إلا الإجلال والتوقير، وأن الشاعر «وإن نبغ» يسبق تارة ويقصر، وإن النقد «وإن قسا» لا يصدر عن حقد، ولا يرمي إلى تحقير، وإن مصلحة الوطن بإصلاح نشيده تسوغ مفاجأة الصديق الكبير بنقد هذا النشيد.