للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الأمانة]

نشرت سنة ١٩٤٦

جعل النبي صلى الله عليه وسلم للمنافق آية يعرف بها بين الناس، ومن آياته أنه إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان. وهذه الثلاث (الصدق والوفاء والأمانة) أركان الحياة الخلقية الاجتماعية، وقد تضافرت الآثار على ذم الكذب وأهله، ومدح الصدق وأهله، وبيان خطر الأمانة وأنها عرضت على السموات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها (١)، وهنّ كنّ أقوى عليها، وحملها على ضعفه الإنسان؛ وأن المسلم ربما ألمّ ببعض الذنوب ولكنه لا يكذب أبداً كما جاء في الحديث.

ثم إنك مع ذلك كله تجد المنتسبين إلى الإسلام اليوم، من أرباب الصناعات وأهل السوق، أكذب لهجة، وأخلف وعداً، وأضيع لأمانة من كثير ممن ليسوا مسلمين، حتى صار المثل يضرب بالوعد الشرقي في خلفه وإضاعته والتأخر عنه، وصار من يريد أن يؤكد وعداً يصفه بأنه (وعد أوروبي)!

اللهم إن هذا لمن العجب العجاب!!

...

إن الله بيّن خطر الأمانة، وأنزلها هذه المنزلة، وخوّف من حملها لأنها جماع الأخلاق، وسلْكة (٢) عقد الفضائل، وعمادها، فما من شعبة من شعب الأخلاق والخير الاجتماعي إلا إليها مردّها، وما خصلة من خصال الشر إلا والخيانة


(١) تلك هي حرية الاختيار التي خصّ بها الإنس والجن دون سائر المخلوقات، وتفصيل هذا الإجمال في كتاب (فتاوى علي الطنطاوي)، نشرته (دار المنارة في جدة).
(٢) السلكة الخيط وجمعها سلك وأسلاك.

<<  <   >  >>