نحن معشر الرجعيين ... لا نرى قتال المرأة ولا نزالها، ونجد ذلك قادحاً بالرجولة، ونعد ذنب المرأة مغفوراً وجنايتها جُباراً، ولكن آراء الرجعيين الجامدين من أمثالي ... صارت أثراً عتيقاً من آثار القرن الماضي لا تصلح إلا لدار الآثار ... وقد تغيرت الدنيا وأهلها، وأصبح من أشد ما تأباه المرأة (أو السيدة، إذا شئت الأدب في الخطاب) وتنكره وتراه هواناً لها ونزولاً بها عن منزلتها أن تترفق بها لأنها امرأة وغدت تريد أن تكافح الرجل وتنازله لا ترى نفسها أصغر من أن تغلبه، ولا تجده أكبر من أن ينهزم أمامها، فعلى هذا، وإكراماً للسيدة الجديدة، ومجاراة في مذهبها، ووفاء بحق هذه الأمانة، أمانة (القلم) الذي منّ الله به عليّ وجعلني من أهله لأضرب به في كل ميدان إصلاح، وأقرع به كل معالم الفساد، لا تمنعني من ذلك رهبة عدوّ، ولا رغبة في مودة صديق ... لهذا كله أعرض اليوم عرضاً إلى هذه (النهضة النسائية) التي أصبح الكلام فيها واجباً وجوب عين، فعفوَكنٌ -يا سيداتي- فأنتن أردتنٌ هذا، وإنه لا يزعجكن -فيما أظن- الكلام في هذه النهضة، لأنها ليست من الضعف (في رأيكن) ومن الوهن بحيث تنهدم من ضربة، وتطير من نفخة، ثم إني كتبت مجيباً لا مبتدئاً، ومنتصفاً ولا معتدياً ...
ولا بدّ لي قبلُ من ذكر مقالتي (دفاع عن الفضيلة)(١)، لأن هذا الفصل كالتعليق عليها، ولولا الحياء وخوفي من أن أوصف بالغرور، وبأني ممن يحرص على (صيد) الفرص، لينوّه باسم نفسه ويزكيها، لقلت: إنه قلما تصيب مقالة