ودقائق معانيه، ويتعلم من دينه ما يمسك عليه إيمانه وخلقه ويرغبه في الخير ويصرفه عن الشر، ويمنعه عن الحرام؛ ويعرف من الرياضيات الشيء العملي الذي لا يستغنى عنه من غير اشتغال بالنظريات المجردة، وما لا بد من معرفته من علوم الطبيعة وقوانينها الأساسية وأسرار المخترعات، وأن يدرس الصحة والجغرافية والتاريخ العربي (١) وأن يعرف مبادئ لغة من اللغات الغربية وأمثال ذلك فما أردت الاستقصاء بل التمثيل.
فإذا تخرج الطالب منها عرضنا عليه فروع الجامعة، فإذا اختار فرعاً منها حضرناه له في سنتين أو ثلاث، علمناه فيها ما يتصل به، فيكون في كل كلية قسم تحضيري فيه من العلوم ما يحتاجه طالبها، فيتلقاها الطالب برغبة فيها وحب لها لأنه هو الذي اختارها، ووافقت هواه، وظهر له النفع منها، وينجو بذلك من خلق شاعراً من حفظ طلاسم الرياضيات، أو الرسوب دونها والانقطاع عن المدرسة وحرمانه التحصيل من أجلها، وهو من بعد لا يحتاج إليها أبداً، ولا يتعلم كل طالب إلا ما يحتاج إليه مع اختصار مدة الدراسة وتقوية الاختصاص، وكسب الوقت الذي يستطاع الاستفادة منه في تقوية الأجسام بالرياضة، ومعرفة الوطن بالسياحات، والعناية بالتربية الخلقية والوطنية ... ومن شاء بعدُ الاكتفاء بالدراسة الثانوية ودخول معركة الحياة لم نسلبه وقته
(١) وهنا مسألة مهمة جداً لا أعلم أحداً نبه عليها أو انتبه لها، هي أن تاريخنا السياسي الذي يدرس الآن في مدارسنا سلسلة فضائح من انقسام إلى ثورات إلى قتل إلى استبداد. حاله في ذلك كحال تواريخ الأمم كلها، وإذا استثنيت أمثال العمرين وثالثهما ابن عبدالعزيز ونورالدين وصلاح الدين لم نكد نجد من الملوك من تصلح سيرته لتكون قدوة، والتاريخ العظيم الذي يجب تدريسه هو تاريخنا العلمي الفياض بالمكارم والمفاخر، ولذلك عني علماؤنا بتراجم الأفذاذ أكثر من عنايتهم بالتاريخ العام. ومن العلماء من أثر في عصره أبلغ الأثر حتى وجب أن ننسب العصر إليه لا إلى خليفة الوقت كأحمد بن حنبل والغزالي وابن تيميه. هذا بعد أن يدرس كل تلميذ تاريخ بلده الذي يعيش فيه. وإن من أقبح العيب ألا يعرف الطالب العربي أين تقع سر من رأى وماذا فيها الآن، وإلام صارت الكوفة، وأن يعرف التلميذ الدمشقي تاريخ الثورة الفرنسية قبل أن يعرف من بنى القلعة وكم مرة احترق الأموي وأين أبواب دمشق ومن أنشأ حي الصالحية.