للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعظموا ما يقابله من كل حماقة دعيت مذهباً اجتماعياً، وكل سفسطة سميت فلسفة، وكل كفر بالدين والعرض دعي أدباً، وأعانهم على ذلك أن أكثر المدرسين من الذين لم يقدر لهم فهم علوم الإسلام والغوص على كنوز كتبه، ولست أطلق القول وأجنح إلى التعميم، فإن في كل فئة من هؤلاء الطيبين والمصلحين، ولكن الكثرة على نحو ما ذكرت. فمن أين يرجى إصلاح أخلاقنا وأوضاعنا؟

ومن أين يرجى لأخلاقنا صلاح، ولم نتفق بعد على (الأخلاق) التي ينبغي أن نتخلق بها، فمنا من يرى المثل الأعلى في أخلاق الجاهلية: كرم إلى حد التبذير، وشجاعة إلى حد التهور، كصاحبنا الذي استهللت بحديثه هذا المقال، وعامة طائفة (الزكرت) في الشام، (وهي أشبه بالفتوة في مصر) وأكثر البدو، ومنا من يميل إلى التخلق بأخلاق أجدادنا في القرن الماضي على ما كانت عليه بلا زيادة عليها ولا نقصان منها، ومن يخالفهم مخالفة الضد للضد فيرى أن نقتبس الأخلاق الغربية برمتها. ويتشعب بهؤلاء الرأي فيميل كل إلى الأمة التي تعلم في مدارسها أو رحل إلى أرضها؛ ومن يرى اقتباس الجيد النافع من كل أمة من غير أن يحدد أو يعين. ولا دواء لهذه الفوضى في رأيي، ولا صلاح لأخلاقنا، إلا بالرجوع إلى الإسلام الصحيح الذي جاء به سيدنا وسيد العالم محمد صلى الله عليه وسلم، لا الإسلام الذي يفهمه الحشويون والمتاجرون بالدين، ولا الذي نفهمه العامة. فإذا فعلنا فثمة كل خير، ولا يكون ذلك إلا إذا شمر العلماء وحققوا المسائل، ودرسوا المشكلات، وألقوا عن المصنفين الأولين رداء التقديس، واستمدوا الأحكام من موردها ثم ترجموا هذه الكتب القديمة إلى لغة العصر.

***

<<  <   >  >>