كنتُ أنا لقتلتهم، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من بدل دينه فاقتلوه)، ولم أحرقهم، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا ينبغي لأحدٍ أنْ يُعَذِّبَ بعذاب الله).
قال سفيان: فقال عمارُ الدُّهني وهو في المجلس -مجلس عَمرو بن دينار- وأيوب يحدث بهذا الحديث:
إن عليًا لم يحرقهم إنما حفر لهم أسرابًا، وكان يدخل عليهم منها حتى قتلهم.
فقال عَمرو بنُ دينار: أما سمعت قائلهم وهو يقول:
لترم بيَّ المنايا حيثُ شاءت ... إذا لم ترم بي في الحفرتين
إذا ما قرَّبوا حطبًا ونارًا ... هناك الموتُ نقدًا غير دَيْن
وقد روى هذا الحديث جرير بنُ حازم، عن أيوب السختيانيّ بالسند المتقدم، وزاد فيه: فبلغ ذلك عليًّا -يعني: اعتراض ابن عباس-، فقال: ويح ابن أمِّ الفضل، إنه لغوَّاصٌ على الهنّات.
أخرجه عثمان بنُ سعيد الدارميُّ في "الرد على الجهمية"(٣٦١، ٣٨٥)، ويعقوب الفسويُ في "المعرفة والتاريخ"(١/ ٥١٦)، ومن طريقه البيهقيُّ (٨/ ٢٠٢).
وتعليق عليٍّ - رضي الله عنه - يحتمل وجهين:
الأول: أنه قالها توجعًا، حيث إن النهي عن التحريق حمله عليٌّ على كراهة التنزيه، وحمله ابنُ عباسٍ على التحريم، فأنكره عليٌّ وتوَّجع لذلك.
والثاني: أن يكون قالها رضىً بما قال، وإنه حفظ ما نسيه، بناءً على أحد ما قيل في كلمة (ويح)، وإنها تُقال بمعنى المدح والتعجب، ويحتمل أن يكون عليٌّ توَّجعَ أنَّ ابنَ عباس لم يبادر بتذكيره.