وأكد له بأن تلك التصرفات تتنافى مع شعور الجزائريين الذين يحبون الأمن والعدالة. وبعد ذلك قدمنا إلى حمودة باشا باي تونس الذي استقبلنا بكل رعاية وحفاوة.
وبما أن العادة الجارية في الشرق تقضي بأن الأجنبي الذي يأتي إلى البلاط يقدم كدكيل على الاحترام، بعض الهدايا، وبعض الأشياء من بلاده مقابل هدية يقدمها له. وتكون دائما أثمن بكثير مما جاء به، فإن حمودة باشا كان يعتقد أننا سنقوم نحوه بتلك اللياقة، ولذلك أعد لنا هدايا نفيسة كان المقصود منها؛ أيضا، أنها ستجعلنا ندافع، بطريقة غير مباشرة، عن شكاياته لدى حكومة الجزائر. ولكننا لم نقدم له شيئا لأنه لم يكن من اللائق بنا أن نقبل مثل تلك الهدايا، واصلتنا بقنا إلى الجزائر. وبعد ذلك بمدة قصيرة أحجم باي تونس عن إرسال شحنة الزيت التي تعود بعثها إلى الجزائر. وقد فعل دلك ليعلن عن بداية اللامبالاة، والإرادة السيئة.
وبمجرد ما ورد النبأ إلى الجزائر اغتاظ الداي أحمد باشا غيظا شديدا لذلك السلوك الذي كان نوعا من القطيعة وخروجا عن الطاعة.
والجدير بالذكر أن باي قسنطينة (٥) في تلك الفترة كان شابا بدون تجربة وأن الأتراك لم يكونوا متفقين أتم الاتفاق فيما بينهم.
(٥) هو حسين بن صالح باي المشهور، ويقول الحاج أحمد المبارك إنه (كان ولدا صغير السن، حضريا لا يقدر على الركوب والغزو، ولا له معرفة بالحروب وسياسة الملك). (نفس المصدر، ص ١٥).