ابن الأحرش (٧)، وقد أقام مقر قيادته في نواحي بجاية ليتمكن من التحصن في الجبال المجاورة لتلك المنطقة.
كان باي قسنطينة، في ذلك الحين، هو عثمان بن قاره محمد. ولما أراد هذا الباي أن يطبق أحد مبادىء السياسة القائل بأن الجسم لا ينتصر عليه إلا عضو من أعضائه أو جزء من أجزائه، فإنه عمل على الاتفاق مع قادة القبائل، فوعدهم بهبات كبيرة لو أنهم وافقوا على التخلي عن رئيس المشوشين وخانوا قضيته. ولكنه فشل في محاولاته وذهبت مجهوداته أدراج الرياح.
لم يكن عثمان باي من صنيعة الخزناجي، ولذلك وسوس هذا الأخير للداي بأن سبب الثورة هو ذلك الباي الذي لم يخمدها لأنه كان متفقا مع المتمردين. وقد نتج عن هذا التدخل أن أرسل الداي للباي برقيات شديدة اللهجة ووليدة الغضب، يسأله فيها أن يعترف بعجزه أو أن يبعث له برأس الفتنة.
ولم يكن باي قسنطينة قد تعود على سماع مثل هذه اللهجة، ولذلك فهم بأن روحا شريرة قد تدخلت في الموضوع، وأن تلك الروح هي خصمه الخزناجي. وعلى أثر ذلك الأمر الملح والمهدد، خرج الباي من قسنطينة كاليائس على رأس كل ما استطاع أن يجمعه من جيوش، وهاجم بعنف تلك
(٧) هو الشريف بن الأحرش: رجل مغربي كان يزعم أنه من شرفاء ملوك فاس، دخل وسط القبائل ووعد الناس بأخذ قسنطينة. وسبب مجيئه إلى الجزائر أنه كان يقود ركب الحجيج عندما وقعت الحملة الفرنسية ضد مصر، فتوقف بالقرب من الاسكندرية وشارك في القتال ضد جيوش بونبرت. وقد اشتهر، في جميع المعارك التي خاضها، بالشجاعة والإقدام والمقدرة على تسيير المحاربين. وبعد النصر تحالف مع الانكليز فأعادوه ومن معه إلى مدينة عنابة، ثم ذهب إلى قسنطينة ومنها التحق بالجبال واستقر بمدينة جيجل حيث بدأ يجمع الأنصار.