ومراعاة لعاداتهم، اكتفى هذا الفاتح بقبولهم الدخول في الاسلام أو على الأحرى بحملهم هذا الاسم، ولم ير من حقه، لصالحهم وصالحه، أن يفرض عليهم قوانين غير قانونهم. بل ترك الناس يعيشون، كما كانوا في السابق في تعصبهم وأخطائهم، ولم يفرض القانون الذي يحرم المرأة من الميراث، ووافق على عدم إقامة الحد على الذي يخالف الشرع أو التقاليد، مع العلم أن من عادتهم في مثل هذه الحالات، اتباع قانون الجانب القوي، وهلما السلوك الذي رأى الفاتحون المسلمون اتباعه في الفترات الأولى قد جعلهم يأملون في أن تصبح هذه الشعوب مثلهم بمرور الزمن وبالتعاشر المستمر ولذلك تركوا في كل قرية عالما مستنيرا اطلق عليه اسم (المرابط) يتحتم عليه تعليل كل ما يريد منهم أن يتبنوه في صالحهم، وفي سبيل الوصول إلى سعادة مشتركة.
وعندما أراد العرب فتح اسبانيا (١)، استعملوا هؤلاء البرابرة كأداة تخدم مشاريعهم، وجعلوهم يؤمنون بأن الموت في سبيل الدين تضحية لها قيمة كبرى عند الله، كما خلقوا فيهم حقا تعصبيا ودينيا ضد جميع الذين لا يؤمنون بالإسلام، وفي نفس الوقت أظهروا لهم كل الفوائد التي تنتج عن الحرب والفتح، وعن نهب أملاك الأعداء. وما دامت هذه المبادىء لا تتنافى مع أخلاق المغلوبين، فانه كان من السهل على المسلمين أن يبقوا بينهم إلى يومنا هذا، وأن يحتفظوا بثمرة فتوحاتهم. أما مبادىء
(١) وقع الفتح سنة ٧١٠ م، ولكن إمارة الأندلس لم تتكون إلا سنة ٧١٨ م. وقد ظلت تابعة للخلافة الأموية إلى أن كان عام ٧٥٦ وجاء عبد الرحمن الأول. فأعلن استقلاله عن الوطن الأم.