وفادته توجه إلى حسين باشا ومعه وثيقة رسمية تثبت أن بكري أودع في الخزينة مبلغ خمسمائة ألف فرنك، وطلب منه أن يوقعها له مقابل ١٢٥،٠٠٠ فرنكا. وقد كتب هذه الوثيقة بخط يد اليهودي نفسه أما الخمسمائة ألف فرنك، فإنه كان يريد الحصول عليها كبقية من حسابه مع إسبانية. وهكذا رجا من الداي أن يوقع هذا الاعتراف الذي كان ينوي أن يقدمه للقاضي والمفتي يصادقان عليه، وكان متأكدا على حد زعمه أنه سيحصل على المبلغ. وبعد أن تأمل الداي في هذه الوثائق رد بكري خائبا دون أن يوقع ولا أن يضع ختما. ومع ذلك فقد أبقى عنده تلك البيانات التي أعدت لارتشائه، وأجاب الراشي قائلا: إن شرفي يمنعني أن أقوم بمثل هذه الأعمال. ويقال إن الداي أعطى لهذا اليهودي، قبل أن يطرده، صدقة يتراوح قدرها ما بين ٧ و٨ آلاف فرنك، فدمها له من أمواله الخاصة لمساعدته وإعالة أبنائه، وذلك لأن بكري كان آنذاك، في وضع مادي يرثى له.
يقال أن بكري طلب من الحكومة الفرنسية أن تدفع له الخمسمائة ألف فرنك. لست أدري كيف يمكن أن يبرر طلبه هذا، وكل ما أستطيع قوله هو أن ما ذكرته الآن، عن وعي، وقع كله بمحضر مني.
وفيما، يخص طلقات المدفعية المشؤومة التي وجهت للسفينة والبروفانس) (٥)
(٥) هي السفينة البرلمانية التي كان يركبها السيد دولابروتونيار، والتي وصلت إلى ميناء الجزائر يوم ٣٠ جوليت سنة ١٨٢٩ للتفاوض مع سلطات الإيالة حول إمكانية التوصل إلى حل للأزمة القائمة بين الدولتين منذ أكثر من عامين. ولما فشلت المحادثات، أبحرت السفينة، وبدلا من أن تأخذ طريقها مباشرة إلى فرنسا، مالت كثيرا إلى الساحل واقتربت من الحصون الحربية حتى ظن بعض القادة الجزائريين أنها تتجسس عليهم، فأمر بإطلاق النيران حولها لتبتعد. ولو كان الغرض هو تخريبها لما تعذر ذلك، لأن المصادر تذكر بأنها كانت قريبة جدا من المدفعية، وأن الريح كانت في ذلك الحين غير مؤاتية للملاحة.