عليه أن يأمر بحفر خنادق لحماية جيشه. فأجابني - بنفس الجرأة -: إننا -نحن - الخنادق الحقيقيون، وسنكون تعساء إذا عجزنا عن حماية جيشنا. فقلت له: ولكن هذه الخنادق ستحمي على الأقل عمل المدافع المواجهة لمدافع العدو. وبناء على هذه الملاحظة الأخيرة أمر - حالا - أن يذاع في صفوف الجيش أن الآغا يدعو جميع العرب الذين ليس لديهم سلاح أن يحضروا عنده، ليوزع عليهم السلاح. وبعد هذا الإعلان اجتمع لديه عدد كبير من الجنود، وبدل أن يوزع عليهم السلاح، أعطى كل واحد فأسا، وأمره أن يشرع في حفر الخندق. وقد أتموا حفر هذا الخندق في تلك الليلة، ولكنه قد فات أوانه، وأصبح عديم الجدوى. وكان حسين باشا قد وضع في يد هذا الآغا مبلغا ضخما من المال، ليوزعه على المحاربين بقصد الحث على القتال، وتشجيع الجنود، بيد أن هذا الآغا لم يدفع شيئا غلى هؤلاء الذين قد خصهم الداي بهذا المبلغ. ودائما من أجل الحث على القتال وتهييج الجشاعة في نفوس القبائل، قد وعد حسين باشا أيا من يأتي منهم برأس أحد الأعداء، سيكافئه بمبلغ قدره خمسمائة فرنك. وقد كلف الآغا بأن يقوم بإحصاء المبالغ التي يدفعها إلى المنتصرين بعدما يتسلم منهم أوصالا من لدى الداي، غير أن الآغا لم يطبق إرادة رئيسه، ولم يدفع حالا هذه المكافأة الموعود بها لمستحقيها، بل أخذ يسوف الجنود بقوله لهم: ستقدمون بعد انتهاء المعركة لأخذ نصيبكم. وأجهل تماما مصير كمية الأموال الضخمة التي كانت موجودة بيد الآغا.
وفي صبيحة اليوم التالي (من استيلاء الفرنسيين على اسطوالي) توجه الآغا بأتباعه وأشياعه إلى مكان (سيدي فرج)، وتركوا المعسكر شاغرا، ما عدا أربعين شخصا - على الأكثر -، بقوا هناك يحرسون الأمتعة بدون سلاح وبدون أية وسيلة تمكنهم من الدفاع عن أنفسهم. ومن ذلك الحين اقتنعت وتأكدت بأن تسيير الجيش قد أسند إلى رجل ليس له أية معرفة بالنظام العسكري، فعندئذ عدت إلى مدينة الجزائر حزينا، متيقنا بأن الإيالة قد ضاعت (من أيدي أهلها).