للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهل من الحيل الحربية أن يهمل (هذا الآغا) معسكره؟ أليس من واجبه أن يترك هناك زهاء الثلث من جيشه، ويبقي فصائل مرتاحين ليتمكن بهم من تعزيز جيشه المنتصر، أو على الأقل يدعم بهم جيشه عند تقهقره؟! وأقولها - بالقلب والقالب -: إن هذه الحيلة الحربية لتمنح الثقة وتوحي بالشجاعة. وفي حالة انعكاس القضية، أي: إذا تقهقر الجيش عائدا إلى معسكره ووجد هناك جميع الخيام فارغة، فلم تبق له أية وسيلة، سوى الفرار واليأس، ومن أجل إعطاء فكرة مضبوطة عن غفلة هذا الآغا وعدم كفاءته، فإني سأقص حادثا وقع لي في غضون الأيام التي قضيتها بجانبه: ففي إحدى الليالي قد وجدتني في سرة معسكره. فاحتجت إلى شيء في خيمته، وبدل أن أرسل الخادم في طلب ذلك الشيء ذهبت أنا بنفسي، فاخترقت المعسكر ثم دخلت الخيمة وأخذت الشيء الذي أتيت من أجله، دون أن ينتبه إلي أي شخص، وكان الجيش كله في سبات عميق، ولم أصادف في طريقي حارسا واحدا يراقب هجوم العدو.

وبناء على ما تقدم نلاحظ أن بين هذا الآغا وبين سابقه: يحيى بونا شاسعا، من حيث كفاءة كل منهما؛ سواء في الميدان العسكري أو التنظيم الإداري.

وكان من عادتي أن أذهب إلى لقاء يحيى آغا بمتيجة، عند عودته من الحرب، وهناك أقضي معه يوما. وإني أتذكر حينذاك - رغم وقت السلم - أن جيشه قد كان مجهزا أفضل تجهيز، ومنظما تنظيما أحسن من جيش إبراهيم آغا المهيء لقتال الفرنسيين. وكان من عادات يحيى آغا أن يقوم كل يوم في جيشه بغارات وهمية، وتحركات تدريبية لجنوده، فيضعهم في حالة الدفاع، ويجعلهم يفترضون أن العدو يوشك أن يباغتهم بالهجوم. وكانت مراكز الحراسة لمعسكره دائما يقظة حذرة. فأحد هذه المراكز مكلف بحراسة المعسكر كله، وآخر خاص بحراصة الخيل، من حيث دخولها وخروجها، وآخر


(١) أمير: هو حسين داي.

<<  <   >  >>