إن وقوع مثل هذا العدد الكبير من الأحداث الجائرة يحتم علي أن أعرف بها ليسجلها التاريخ، ولنبين للأجيال القادمة كيف كانت تفهم الحضارة في القرن التاسع عشر. إننا نظلم، في الجزائر، وإذا أردنا أن نرفع أصواتنا ضد هذا النظام التعسفي، فإننا ننفى ... أيستطيع الناس، إذن، أن يفرضوا السكوت؟ ولماذا لا يحكمنا الفرنسيون حسب نظامهم القانوني؟ لماذا لا يكونون معتدلين، ولا يتصرفون وفقا لقوانين العدالة إذا كانوا يريدون حكمنا بسلام؟
وما من شك أنه كان يسرنا أكثر أن نتكلم بلغة أخرى، فنذكر محاسنهم ونجه لهم عبارات الشكر والتقدير، ولكننا، مع الأسف، مجبرون على ذكر وقائع تنتصب لهم في شكل متمم. وإننا لا نذكر هنا ولا نعيد إلا رسم المشاهد المؤلمة لكل ما يجري، مع العلم بأننا لا نستطيع نقلها كما ينبغي.
ولأتمم ما له علاقة بحملة المدية، أقول: إن الجنرال كلوزيل لم يلق - صحبة آغا العرب وابن عمر باي التيطري - أية مقاومة في طريقه. لم يقم أي واحد بحمل السلاح ضد الحملة للأسباب التي ذكرناها، وأن معظم من كان يمكن لهم أن يحاربوا الفرنسيين قد انسحبوا إلى جبالهم الوعرة حيث يستطيعون حماية أنفسهم من جميع الهجومات بالحجارة فقط.
لم يكن لمصطفى، باي التيطري، أنصار من بين البرابرة، ولما تأكد من عجزه وفشل قضيته لجأ إلى أحد المرابطين. وهكذا، إذن، استسلمت المدية لسلطان الفرنسيين، وفي الحين شرعت السلطة في الاستيلاء على أملاك الأتراك وكل ما كان تابعا للحكومة القديمة. وبهذا الصدد نقلت إلي الواقعة التالية، ومع ذلك فإنني لا أستطيع تأكيد صحتها: قبل أن يسحب القائد الفرنسي جيوشه ترك بن عمر في المدية بصفته بايا، ولكنه لم يترك له أية حامية لتدعيم سلطته. وقد سمح له بأن يجمع الضرائب على الطريقة التي كانت