ولأجل هذا فمن الطبيعي أن يكون المنهج الذي يسلكه ليس منهجًا موضوعيًا يبحث عن الدلائل ويتقصى الوصول إلى الحق بقدر ما هو بحث عما يعين على الهدف، وهو شيء يعترف به كما نقلنا ذلك سابقًا.
لهذا تجد أن الجابري يمارس تفريغ الأصول الشرعية التي يتعامل معها من مضامينها:
فأولًا: يتجاوز مرجعيات الفقهاء بدعوى الوصول إلى فقه الصحابة، وهذا خلل منهجي كبير، لأن الوصول إلى فقه الصحابة لا يمكن أن يتم من دون هذه المرجعيات الفقهية، فهم الذين نقلوا لك آثار الصحابة وهم الذين محصوها، فاتهامهم بأنهم كانوا منقادين للسياسة هو اتهام لفقه الصحابة الذين نقلوه، فالمنطق الصحيح أن يطعن الشخص في فقه الصحابة بناءً على طعنه في العصور التي نقلته، أما جعل العصور المتأخرة عصور ملوثة ومؤدلجة ومنحرفة ثم يستطيع الشخص الولوج منها إلى عصر الصحابة من دون أي تأثر فهذه طريقة استدلال ظريفة!
الخلل الثاني: أن الجابري لما وصل إلى عصر الصحابة لم يطالبنا بالاستمساك بفقه الصحابة، وإلا لوجد أن فقه الصحابة قائم على ذات الأصول التي ينطلق منها الفقهاء، وأن فقههم في المصالح لا يختلف عن فقه العلماء، إنما أراد الجابري الانتقال إليهم لحذف من بعدهم ثم البدء في عملية تفكير جديدة هي أن الصحابة كانوا يعتمدون المصالح فقط، وهذه سورة مغالطة كبيرة لفقه الصحابة، فالصحابة كانوا يستعملون المصالح فعلًا، غير أن المصالح في رؤيتهم تختلف عن المصالح في رؤية الجابري، فأساس رؤيتهم في المصالح قائم على اعتبارها وفق موازين الشريعة، فما رفضته الشريعة فليس بمصلحة، وما اعتبرته فهو مصلحة، وبقدر اعتبار الشريعة يكون وزن المصلحة، وبقدر رفض الشريعة يكون وزن المفسدة،