ويلاحظ اتجاه جديد في النقد، منذ منتصف القرن التاسع عشر، الغاية منه تحويل النقد إلى علم موضوعي، والخروج به عن هذا النطاق الشخصي الضيق، ولا أراني بحاجة إلى ذكر مذاهب تين (Taine) وسانت بوف (Saint beufe) وبرونتير (Bruntayère) في هذا المقام، وإنما أشير إلى ذلك إشارة.
تلخَّص معنا إذن، أن هناك شعوراً بالجمال ووصفاً لهذا الشعور، وهذا هو درس الإنشاء.
وأن هناك فهماً لهذا الوصف وتذوُّقاً له وهذا هو درس النصوص، وأن هناك تقويماً لهذا الوصف، وبياناً لمواطن الجمال ومواضع النقص فيه، وهذا هو النقد.
وأن هناك ترتيباً وتصنيفاً، ودرساً شاملاً، وهذا هو تاريخ الأدب.
وسأتكلم على كل درس من هذه الدروس بإيجاز واختصار.
الإنشاء:
أستأذن أولاً زملائي الكرام في عرض هذه الآراء، فلست ألقي عليهم دروساً، ولا أزعم أن ما أقوله هو الصواب بعينه، ولكني أعرض تجاربي، وأنا قد درَّست العربية، والإنشاء بوجه خاص، منذ عشر سنين فوجدت أن أسباب تقصير الطلاب في الإنشاء تتلخص كلها في أمرين:
الأول: أن الطالب قد لا يميل إلى الموضوع الذي يفرضه عليه المدرس، ولا يتصوره، أو لا يهيج من نفسه عاطفة أو ذكرى، فلا يحسن الكتابة فيه، وقد لقيت أنا البلاء الأزرق من هذا الأمر، وكنت آخذ أبداً شرَّ الدرجات في الإنشاء، برغم أنني كنت خيراً من رفاقي في الإنشاء وأقوى، ولا أذكركم من عشرات المرات، سألنا المدرسون أن نكتب (في وصف روضة) وأي روضة هي؟ هي التي حصباؤها ياقوت، وماؤها ذوب اللجين، وفيها البلابل وما لست أدري ماذا؟ فإذا كانت روضة ليس فيها حصباء، وكان فيها حمام أو عصافير، كانت الوظيفة سيِّئة في رأي المدرس، ولا أذكر كم سألونا: (ماذا تريد أن تكون في