نحن اليوم (في الشرق الإسلامي) في دور انتقال ليس له وضع ثابت، ولا صفة معروفة، فلا نحن نعيش حياة إسلامية شرقية كما كان يعيش أجدادنا، ولا نحن نعيش حياة غربية خالصة كالتي يحياها الأوروبيون، ولكنا نعيش حياة مختلطة مضطربة متناقضة فيها ما هو شرقي إسلامي، وفيها ما هو غربي أجنبي، وفيها ما ليس بالشرقي ولا بالغربي، ولكنه منقول نقلاً محرَّفاً مشوَّهاً عن هذا أو ذاك. بل أنت إذا دقَّقت وأمعنت النظر في حياتنا وجدت لها جانبين مختلفين، ولونين متباينين: الجانب الذي يميل إلى المحافظة، والجانب الذي يجنح إلى التجديد. وهذان الجانبان تلقاهما في كل عهد من عهود الانتقال في التاريخ؛ ففي مطلع العصر العباسي كنت تجد في بغداد المحدِّثين والزهَّاد والفقهاء كسفيان والفضيل وأبي حنيفة، وإلى جانبهم الفسَّاق والمجَّان كبشَار وأبي نواس، والمتعصبين للعربية والشعوبيين، ومن كل صفة زوجان، ولكل أمر ناحيتان، وكذلك كان شأن الرومان أول اختلاطهم باليونان.
قف ساعة في أي شارع كبير في أي مدينة من مدن الشرق الإسلامي واعْرض الأزياء، تر الإزار والعقال إلى جانب العمامة، إلى الطربوش، إلى القبَّعة، إلى اللاطية. حتى إن أجنبياً وقف مرة هذا الموقف فظن أن القوم في عيد المساخر (الكارنفال). وادخل عشرة بيوت تجد البيت الشرقي ذا الصحن الواسع والإيوان المشمخر والبركة ذات النوافير، إلى جانب البيت الأوروبي المسقوف
(*) أستعير هذا العنوان من الأستاذ الجليل أحمد أمين في مقاله المنشور في العدد الأول من الرسالة ١٨ رمضان سنة ١٣٥١.