لما هممت بكتابة هذه المقالة، عرضت الفكرة على طالب من طلاب البكالوريا فأعرض عنها، وعجب مني إذ أخمِّلُ المسألة ما لا تطيق، وأنفق فيها من الجهد ما لا تحتاج إلى بعضه، وهي في ذاتها أيسر مما أظن ... وشرح لي كيف يكون هذا اليسر، فإذا المسألة كلها في استظهار الطالب طائفة من آراء النقاد القدماء والمحدثين في الأديب الذي يكلف بدراسته، وطائفة من آثاره الأدبية - أو أن يستظهر ما يسمعه من الأستاذ، أو يراه في كتاب ويكون له صلة لهذا الأديب، يصب ذلك كله في صحيفة الامتحان، فينجح ويحمل هذه الورقة السحرية .. فإذا كان له ذلك فهو منصرف عن الأدب ما عاش ...
ومعنى هذا أنه يرى الأدب شراً، ولكنه -كما قال شيشرون عن الزواج- شرٌّ لا بد منه فهو يحمل منه أقل قسط ينجيه من هول الامتحان، ثم يقذف به ويفر منه ... ونحن نعيذ طلاب البكالوريا أن يكون رأيهم كلهم في الأدب، كرأي صاحبنا هذا وأن يكون همهم جواز الامتحان، وحمل الشهادة، لا درس الأدب لذاته، وإدراك لذَّته، وتلقيه على أنه مظهر من مظاهر الجمال السامي. ونعيذ صفوف البكالوريا من هذا الجمود، أن تستمر فيه. وأن تسلك أبداً هذه المناهج الملتوية التي لا تبلغ بسالكها الغاية، ولا تخرج للناس من تلاميذها كاتباً مجيداً، ولا ناقداً بصيراً ولا شاعراً مطبوعاً .. ولا تأخذ بيد الحركة الأدبية في الشام، فتقيلها عثرتها، وتنهض بها منذ كبوتها. ونعيذ الوزارة من هذا البرنامج، أن تثبت عليه وأن تضطر الطلاب أبداً إلى دراسة هؤلاء الشعراء الماجنين وتفهم أشعارهم، والإحاطة بأخبارهم، وفي ذلك كله أشياء لا ترضى عنها الأخلاق، ولا تستقيم مع الحياء والعفاف. وإذا كان الأدب لا يهتم بالأخلاق ولا يمتنع من