ولقد كنت أود أن أجد من نشرها بداً -غير أن ما تنشره صحف مصر ومجلاتها في موضوع الأدب الشامي والتعريف بأهله لمن نعرف ومن ننكر من الكتَّاب أوجب نشرها- وأنا أعرف قولهم (العبرة بما قيل لا بمن قال) ولكن ذلك في الحقائق التي يستقل العقل بتمحيصها ووزنها، والحكم عليها بالصحة أو بالفساد، أما الأخبار الممكنة التي تحتمل الصدق والكذب، كقولنا: إن لفلان أسلوباً بارعاً، وفلان بليغ، وله كذا من الكتب، لمن لم يسمع بفلان هذا ولم يقرأ له، فلا يمكن الحكم عليها بالتصديق أو بالتكذيب، وبالقبول أو بالرد، إلا بعد معرفة حال راويها ومخبرها، ومبلغه من الاطمئنان إلى خبره وحكمه، فإن كان عدلاً ضابطاً، والضبط في الأدب هو التمرُّس به والذوق فيه وفهمه، والعدالة ألَّا يميل به حب ولا بغض، وأن يحكم على الرجل بأثره، فلا تمنعه عداوته مجوداً من الثناء عليه، ولا صداقته مسيئاً من نقده. فإن كان كذلك قبل خبره وإلا ردَّ، وأنا أقول آسفاً إن مجلات مصر لمَّا فتحت صدرها لمن يعرف قراءها بالمجهول من أدب الشاميين، جاءتها مقالات من أشخاص هَمّ أكثرهم وكبير مطلبه أن يرى اسمه منشوراً في هذه المجلات، ومنهم من لم يكد يضع من قبل سواداً في بياض، فنشرت لهم كل الذي جاءها منهم وحكَّمتهم في رقاب الأدباء، وجعلتهم من أهل الترجيح في الأدب، فكتبوا أشياء لا يفهم منها الجاهل بأدبنا شيئاً، ويضحك منها العارف به أو يشفق على صاحبها، ومنها ما يخرج في جملته وتفصيله عن أن يكون دعاية لمن كتبه ولأصحاب الكاتب وأصدقائه، وحشراً لهم بين مشايخ الأدب والمقدمين فيه، ثم كانت الطامَّة التي لا أقول إنها الكبرى لأني لا أدري ماذا يجيء من بعدها، فنشرت مجلة محترمة