قال لي شيخ من المشايخ المتزمِّتين، وقد سقط إليه عدد من الرسالة، فيه مقالة لي في الحب:
- ما لك وللحب، وأنت شيخ وأنت قاض، وليس يليق بالشيوخ والقضاة أن يتكلموا في الحب، أو يعرضوا للغزل؟! إنما يليق ذلك بالشعراء، وقد نزَّه الله نبيَّه عن الشعر، وترفَّع العلماء وهم ورثة الأنبياء عنه، وصرَّح الشافعي أنه يزري بهم، ولولا ذلك لكان أشعر من لبيد ...
فضحكت، وقلت له:
- أما قمتَ مرة في السَّحر، فأحسست نسيم الليل الناعش!، وسكونه الناطق ... وجماله الفاتن، فشعرت بعاطفة لا عهد لك بمثلها، ولا طاقة لك على وصفها؟
أما سمعت مرة في صفاء الليل نغمة عذبة، من مغنّ حاذق قد خرجت من قلبه، فهزَّت منك وتر القلب، ومسَّت حبَّة الفؤاد؟
أما خلوت مرة بنفسك تفكر في الماضي فتذكر أفراحه وأتراحه، وإخواناً كانوا زينة الحياة فطواهم الثرى، وعهداً كان ربيع العمر فتصرَّم الربيع، فوجدت فراغاً في نفسك، فتلفتَّ تفتش عن هذا الماضي الذي ذهب ولن يعود؟
أما قرأت مرة قصة من قصص الحب، أو خبراً من أخبار البطولة فأحسست بمثل النار تمشي في أعصابك، وبمثل جناح الطير يخفق في صدرك؟
أما رأيت في الحياة مشاهد البؤس؟ أما أبصرت في الكون روائع الجمال؟