الدرس الأدبي معناه البحث أولاً عن شخصية الأديب، وأثرها في شعره، ثم البحث عن أدبه ومزايا هذا الأدب، ومكانه في أدب أمته.
والبحث عن شخصية لا يكون إلا بمعرفة العوامل التي كوَّنت هذه الشخصية، وكانت مصدر أخلاق الأديب وطبائعه، وهذه العوامل كثيرة، لا سبيل إلى حصرها، غير أن المهم منها، هو:
وقد بيَّنت هذه العوامل في موضوع آخر، فلن أعود إلى شرحها وبيانها، وإنما أشير هنا إلى أهميتها في درس الأديب ذلك أن لكل زمان ذوقاً أدبياً، واتِّجاهاً فكرياً، يؤثر في الأدب الذي ينشأ فيه فيجب معرفة هذا الاتجاه، ويجب على مؤرِّخ الأدب أن يبدأ بدرس الزمان من هذه الناحية، لا من ناحية السياسة والحروب، فذلك شيء يهم المؤرخ السياسي وقد أخطأ كثير من الكتَّاب فحسبوا أن درس الزمان هو درس ما وقع فيه من حروب، وما كان فيه من أحداث سياسة.
أما البيئة فهي الوسط الذي ينشأ فيه الشاعر، والأسرة التي ينحدر منها، والبلدة التي يعيش فيها، كل هذا يؤثر في الأديب، ويعمل في تكوين أخلاقه، فلو لم يعش أبو نواس في هذه البيئة الماجنة الخبيثة بيئة والبة وأصحابه ما كان أبو نواس شاعر الغزل الفاحش والخمر، ولو لم ينشأ بشَّار في أسرة منحطة، ولو لم يكن أبوه طيَّاناً ما كان بشَّار هجَّاءاً خبيثاً، وشاعراً داعراً، بل إن من النقاد الأوروبيين أصحاب المذاهب، من جعل البيئة هي العامل الوحيد في تكوين الأديب فيجب أن نبحث عن أسرة الشاعر ووسطه الذي عاش فيه، كما نبحث عن ثقافته التي تلقاها، والكتب التي قرأها، والشيوخ الذين لازمهم، وعن صلة ذلك كله بأدبه، وستجد أن ثقافة الجاحظ من أكبر العوامل في تكوين الجاحظ، وأن دراسة الزهاوي كان لها أثر في شعر الزهاوي، وكفر الزهاوي، وسنلاحظ أن الشعراء على قسمين: قسم ينبثق منهم الشعر منذ الطفولة، وتغلب عليهم الطبيعة والملَكَة كبشَّار وأبي العتاهية، وقسم لا يأتيهم الشعر إلا بعد الدرس والقراءة كأبي تمام.