للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإيه أبا الشداد إن وراءنا ... أحاديث تروى بعدنا في المعاشر

أترضى وما للعرب غيرك ملجأ ... توسدهم رملي زرود وحاجر

فأين الجياد الجرد تخطو إلى العدى ... على عَلَق تروي به الأرض مائر

وفتيان صدق يصدرون عن الوغى ... وأيدي المنايا داميات الأظافر

وحاجتهم إحدى اثنتين من العلى ... صدور العوالي أو فروع المنابر

فإذا يئس من أن يجد في الناس هذا الرجل، تقدم ليحقق أمله بنفسه، فكانت حاله كحال المتنبي، يسعى إلى رتبة أو ولاية يتخذها سلماً إلى مثله الأعلى، فيطلبها ولا يراها بِدْعاً ولا عجباً، ولا يراه خلق إلا لها ... واسمعه يقول لمؤيد الملك:

إليك أوى يا ابن الأكارم ماجد ... له عند أحداث الزمان طوائل

تجر قوافيه إليك ذيولها ... كما ابتسمت غبَّ الرهام الخمائل

وعندك ترعى حرمة المجد فارتمى ... إليك به دامي الأظلين بازل

قليل إلى الري الذليل التفاته ... وإن كثرت للواردين المناهل

وها أنا أرجو من زمانك رتبة ... يقل المسامي عندها والمساجل

وليس ببدع أن أنال بك العلى ... فمثلك مأمول ومثلي آمل

كان هذا أمله في حلِّه وترحاله، وغايته من اغترابه عن بلده، ونأيه عن أهله، وما كان يطلب مالاً ولا ثروة، وما كانت به حاجة للمال، ولا ضاقت أرضه برزقه، ورزق عياله، واسمعه يقول لسيد الوزراء أحمد بن الحسين:

ولم نغترب مستشرفين لثروة ... فمرعى مطايانا بيبرين مبقل

ولكننا نحمي ذمار معاشر ... لهم آخر في المكرمات وأول

ومن سلبته نشوة الدهر عزه ... فنحن لريب الدهر لا نتذلل

ولو هو أراد الغنى لناله، لا سؤالاً واستجداء، ولكن على ظبى السيوف وأطراف الرماح، ولكنه يريد غاية بعيدة، دونها جرع الردى وحياض الموت، يسعى إليه بفتيان «من أمية» هم موقدو الحروب ومطفئوها:

<<  <   >  >>