إن نصف الباكستانيين في باكستان الغربية، ونصفهم في باكستان الشرقية، واللغة هنا الأوردية، وهناك البنغالية. والأوردية أكثر ألفاظها عربية وفارسية وتكتب بالحروف العربية، والبنغالية أكثر ألفاظها هندية وتكتب بالحروف السنسكريتية، ولا يمكن اتخاذ واحدة منهما لغة رسمية. ولا بد من اتخاذ إحدى اللغتين لغة رسمية: العربية أو الإنكليزية.
ولقد كنت هناك عند وضع الدستور. وكنت أرى هذا الجدال على اختيار إحدى اللغتين وكنت أخشى أن تضيع الفرصة، ولقد كتبت إلى الحكومات العربية وإلى الهيئات العربية، وأخجل أن أقول إني لم أجد مجيباً.
وقد أجلت المسألة ولم تضع الفرصة. فهل نعود فنستفيد منها؟.
إن إقبال الباكستانيين على العربية لا يمكن أن يصوره لساني، لأنهم يرون فيها لغة القرآن، ولأنهم يتعلمونها ديانة وتقرباً إلى الله. ولقد درت على المدارس التي افتتحتها المفوضية السورية في كراتشي فرأيت فيها العجب، عشرون مدرسة يا سادة، في كل واحدة نحو مئة طالب، منهم الصبي ابن العشر، والشيخ ابن السبعين، إي والله وهم يتعلمون العربية نطقاً وقراءة، العربية الفصحى، خلال شهور. خلال شهور معدودات وكل هذا يقوم به أربعة مدرسين أوفدتهم وزارة المعارف، وقد افتتح قبل سفري من كراتشي، معهد لتخريج معلمين ومعلمات للعربية وقد خطبت في حفلة افتتاحه أنا والصديق الجليل عبد الوهاب عزام سفير مصر (رحمه الله) وقلت لهم: إننا نعلمكم العربية اليوم، ولكنا سنعود فنتعلمها منكم، كما تعلمناها قبل من الزمخشري ومن سيبويه ومن الصاغاني الهندي، ومن الزبيدي الهندي شارح القاموس.
أربعة مدرسين قاموا بهذا كله، فلو أن كل حكومة عربية أوفدت مئة مدرس، لكسبت العربية ثمانين مليوناً ناطقاً بها. وليس القوم هناك بالغرباء عن العربية، فهم يقرؤون القرآن، وثلث لغتهم كلمات عربية، وهم يقرؤون