وتأمل حكمه بالكفر على من بلغته أخبار الصفات ولم يدن بحقيقتها ويشهد بها، وإعذاره من لم تبلغه، ومعلوم أن الجهمية وأصناف المعطلة ما كانوا ينكرون ثبوت ما ورد من صفات الله تعالى في القرآن والأحاديث المتواترة، وإنما يتأولونها ولا يقرون بحقيقتها، وهذا هو محل النزاع بينهم وبين السلف، وهو معاني هذه الصفات وإثبات حقيقة اتصاف الله بها على الوجه اللائق به، وإلا لو كانت المسألة مجرد إقرارٍ بثبوت ألفاظ ونصوص لا تدل على معانٍ، لم ينكره أحد، ولَما طال النزاع بين السلف والمعطلة من الجهمية وغيرهم.
فالنزاع إذاً كان على حقائق هذه النصوص وإثبات معانيها لله تعالى، وليس نزاعاً على إثبات النصوص وصحتها. وهذا وجه مهم جداً فتأمله!
قال ابن جرير مؤكداً هذا الأمر: (فإن قال لنا قائل: فما الصواب في معاني هذه الصفات التي ذكرت، وجاء ببعضها كتاب الله عز جل ووحيه، وجاء ببعضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
قيل: الصواب من هذا القول عندنا، أن نثبت حقائقها على ما نعرف من جهة الإثبات ونفي التشبيه، كما نفى عن نفسه جل ثناؤه فقال {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} الشورى١١. فيقال: الله سميع بصير، له سمع وبصر، إذ لا يعقل مسمى سميعاً