فنحن نثبت لله تعالى ذاتاً حقيقة، ثابتة في نفس الأمر، مستوجبة لصفات الكمال، لا يماثلها شيء، فكذلك كلامه، واستواؤه، ونزوله، وضحكه، ومقته، ثابت في نفس الأمر على الحقيقة، ولا تعلم كيفيته، إذ العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف.
ومعلوم أن المخلوق قد تُدرك معاني صفاته، ويوصف بها حقيقة، مع الجهل بكيفيته.
فالروح التي فينا قد وُصفت بصفات ثبوتية وسلبية، فأخبرت النصوص أنها تعرج وتصعد إلى السماء، وأنها تُقبض من البدن، وتُسل منه كما تُسل الشعرة من العجين، ويتبعها بصر الميت، وهذه أوصاف مفهومة معلومة المعنى، ومع ذلك فنحن لا ندرك كيفية الروح وحقيقة ماهيتها. وجهلنا بالكيفية والماهية لا يستلزم أن لا يكون لها حقيقة، وأن لا تفهم معاني صفاتها، كما لا يستلزم علمنا بحقيقتها ومعاني ما اتصفت به، أن نعلم كيفيتها. إذ المعنى المجرد شيء، والهيئات المحسوسة المرئية شيء آخر.
ومثال ذلك أيضاً ما أخبرنا الله عز وجل به عما في الجنة من المخلوقات من أصناف المآكل، والمشارب، والملابس، والمناكح، والمساكن، وما فيها من أنهار اللبن، والخمر، والماء، والعسل، وغير ذلك من نعيمها وحورها وقصورها. ونحن ندرك هذه المعاني ونفهمها، ومع ذلك فقد قال ابن عباس - رضي الله عنه -: