شريعة نبينا - صلى الله عليه وسلم - هي الشريعة الخاتمة، فتكفل رب العالمين بحفظها، وحفظ ما يتعلق بها، فقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} [الحجر] والذكر يتناول السنة بمعناه، إن لم يتناولها بلفظه، بل يتناول العربية وكل ما يُتَوقَّف عليه معرفة الحق، فإن المقصود مِنْ حِفْظِ القُرآنِ أن تبقى الحجة قائمة والهداية دائمة إلى يوم القيامة؛ لأن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء، وشريعته خاتمة الشرائع، والله - عز وجل - إنما خَلَق الخَلْقَ لعبادته، فلا يَقْطَعُ عنهم طريقَ معرفَتِها، وانقطاعُ ذلك في هذه الحياة الدنيا انقطاعٌ لِعلَّةِ بَقَائِهم فيها (١).
فَقَيَّد اللهُ - عز وجل - للأمة بعد نبيها رجالًا يقومون بواجب تبليغ دعوة الحق، فقام الجهابذة الكبار بواجبهم على أحسن ما أنت راء، وكان منهم الإمام الكبير أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي - رحمه الله -، الذي وعى من كتاب ربه وسنة نبيه، فحرر وصنف في أكثر أبواب الشريعة، وكان مما صنف كتاب «البعث والنشور» الذي وقعت عيني عليه قبل ثمان سنوات، ورأيت أنه لم يخرج في صورة تليق به، فعزمت على تحقيقه، وإخراجه في صورة قشيبة آنذاك، وحثني على ذلك الشيخ العلامة الوالد الدكتور أَحْمَد مَعْبَد عبد الكريم حفظه الله ورعاه، وما أن صَوَّرْتُ نُسْخَتَه الخطية التي اعْتَمَد عليها من أخرجاه قبل ذلك، حتى رزقني الله بنسخة أخرى للكتاب كانت في مكتبة جمعية المَكْنِز -وكنت باحثًا فيها آنذاك-، فساعدني مديرُها الأسبق الشيخ الكريم الفاضل المعطاء الشيخ عماد الدين عباس حفظه الله، وأَذِن لي في تصويرها، وما أن وقعت في يدي حتى اكتشفت فيها أمرين، الأول أن
(١) من أول الآية الكلام للعلامة المعلمي اليماني - رحمه الله - «التنكيل» (١/ ٤٨).