للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٧٣ - بَابُ قَولِ اللهِ - عز وجل -:

{يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨)} [هود].

ذَكَرَ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَلِيمِيُّ - رحمه الله - في معنى قوله: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: ١٠٧] وجهين: «أَحَدَهُمَا، أَنَّ اللهَ -تَبارك وتَعَالَى- لَمَّا أَخْبَر عَن اليَوْمِ المَوْعُودِ بِأَنَّ الذِينَ شَقُوا فِي النَّار، والذِينَ سُعِدُوا في الجَنَّةِ، كان الذِي يَقْتَضِيهِ هَذَا الظَّاهِرُ أَنَّ دُخُولَ كُلِّ وَاحِدٍ مِن الفَرِيقَيْن الدَّارَ المُعَدَّة لَهُم يَقْتَرِنُ بِإِتْيَان ذَلِكَ اليَوْم، ولَيْسَ كَذَلِك؛ لأَنَّ دُخُولَهُم حَيْثُ أَعَدَّ لَهُم يَتَأَخَّرُ طَويلًا بَعْد إِتْيَانِ اليَوم المَوْعُود، فقال جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: ١٠٧]، أي: إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ مِن وَقْفِهم حَيثُ كَانُوا فِيه، إلى أَنْ حُوسِبُوا وَوُزِنَت أَعْمَالُهُم، وسِيقَ كُلُّ فَرِيقٍ إِلى حَيْثُ قُضِيَ لَه، لِئَلَّا يُعَارِض الخَبَرَ المُتَقَدِّم خُلْفٌ (١).

ومَن قَالَ هَذا قال: إِنَّ قَوْلَهُ: {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [هود: ١٠٧]، لَم يُرِدْ به أَنهُم يَبْقُونَ حَيثُ ذَكَر، وسَمَّى قَدْرَ مَا بَقِيَت السَّمَواتُ والأَرْضُ؛ لأن التَّوْقِيتَ يُنَافِي الخُلُودَ، وإِنَّمَا ذَلِكَ عِبَارَةٌ عن طُولِ مُدَّةِ بَقَائِهِم، فَضَرَبَ لِلْمَخَاطَبِينَ مِثْلَ ذَلِكَ بِمُدَّةِ بَقَاءِ السَّمَواتِ والأَرْض؛ إِذ لَم يَكُن فِيمَا يَعْلَمُونُه مِن خَلْقِ اللهِ -جَلَّ ثَنَاؤُهُ- ويَعْرِفُونَ حَالَه أَطْوَلَ بَقَاءً مِنْهُمَا، ولَم يَكُن فِي


(١) في «المنهاج في شعب الإيمان» (خلق).

<<  <   >  >>