اعتقد بلادة الفهم ونقصان الإدراك وضعف التحصيل. لأن الميل إلى الأقوال الباطلة ليس من شأن أهل التحقيق الذين لهم كمال إدراك وقوة فهم وفضل دراية وصحة رواية، بل ذلك دأب من ليست له بصيرة نافذة ولا معرفة نافعة.
فقد حصل عليه بما تلذذ به وارتاح إليه من ذكر شرف السلف ما حقق عند سامعه بأنه من خلف الخلف.
ولقد رأيت من أهل عصري في هذا عجبًا فإن بعض من جمعني وإياه الطلب لعلوم الاجتهاد يتعصب لبعض المصنفين من قرابته تعصبًا مفرطًا، حتى أنّه إذا سمع من يعترض عليه أو يستبعد شيئًا قاله، اضطرب وتزبّد وجهه وتغيّرت أخلاقه سواء عليه من اعترض بحق أو بباطل، فإنه لا يقبل سمعه في هذا كلامًا، ولا يسمع من نصيح ملامًا، ومع هذا فهو بمحل من الإنصاف ومكان من العرفان قد تحصلت له علوم الاجتهاد تحصّلًا قويًا ونظر في الأدلة نظرًا مشبعًا، وكان صدور مثل هذا منه يحملني في سن الحداثة وشرخ الشباب على تحرير مباحث انقض بها رسائل ومسائل من كلام قريبه، قاصدًا بذلك إيقاظه ورده إلى صوب الصواب، وكنت إذا أردت إغضابه أو الانتصاف منه ذكرت بحثًا من تلك الأبحاث أو مسألة من تلك المسائل التي اعترضتها، ولهذا السبب تجد من كان له سلف على مذهب من المذاهب، كان على مذهبه، سواء أكان ذلك المذهب من مذاهب الحق أو الباطل. ثم تجد غالب العلوية شيعة وغالب الأموية عثمانية، وكان تعظيم عثمان في الدولة الأموية عظيمًا، وأهل تلك الدولة مشغولون بحفظ مناقبه ونشرها وتعريف الناس إياها، وكانوا إذ ذاك يثلبون من كانت بينه وبينه عداوة أو منافسة، ثم لما جاءت الدولة العباسية عقبها، كان العباس عند أهلها أعظم الصحابة قدرًا وأجلهم، وكذلك ابنه عبد الله وتوصلت خلفاء بني العباس بكثير من شعراء تلك الدولة إلى تفضيل العباس على علي، ثم تفضيل أولاد العباس على أولاد علي وكان الناس في أيامهم هم عندهم أهل البيت،