للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بحكم شرعي. ولا شك أن هذا الظن الكائن بعد الاستفراغ وإن تعبد الله به ذلك المستفرغ، لكونه فرضه عند فقد الدليل كما تقدم البحث عن هذا والاستدلال عليه. لكن الشأن في كون هذا الظن حجة على أحد من عباد الله ممن لم يقع له هذا الظن ولا تقدم له استفراغ الوسع فإن الحجة الشرعية ليست ظنون بعض المكلفين بالشرع المتعبدين به على البعض الآخر ولا جاء في الشريعة حرف واحد مما يفيد هذا ويدل عليه، بل صرح الكتاب العزيز بالنهي عن اتباع الظن وأنه لا يغني من الحق شيئًا وأن بعضه إثم. وهذه الأدلة الكلية توجب على الإنسان أن لا يعمل بظنه في شيء كائنًا ما كان إلا ما خصصه الشرع، فكيف بظن غيره.

فيا معشر المقلدة، اسمعوا وعُوا، فإنكم إنما تتبعون ظنونًا خطرت لقوم. الحجة من الله بما في كتابه وسنة نبيه قائمة عليهم كما هي قائمة عليكم، وهم مُتعبَّدون بها كتعبدكم بها، فما لكم ولهم، وماذا عليكم من ظنونهم، (فقد أسفر الصبح لذي عينين) (١)، وارتفع ما على قلوب قوم من الرَّين، إن بقي للهداية مجال، ولاستماع الصواب احتمال. وقد كررت الكلام في هذا المقام بما لا يحتاج معه إلى التطويل هنا.

[[ابتلاء الإسلام بالمذاهب وتقديس الأموات]]

واعلم أن المفاسد الماحقة لبركة العلم والمفرقة لكلمة المسلمين كثيرة جدًّا، والإحاطة بها تتعسر، وقد ذكرنا هنا ما حضر عند التحرير، واعظم ما أصيب به دين الإسلام من الدواهي الكبار، والمفاسد التي لا يوقف لها في الضرر على مقدار أمران، أحدهما: هذه المذاهب التي ذهبت ببهجة الإسلام وغيرت رونقه وجَهَّمت وجهه وقد قدمنا في هذا ما يستغني عن الزيادة إن بقي له فهم يرجع به إلى الحق ويخرج به من الباطل.


(١) من أقوال الإمام علي بن أبي طالب (راجع ص ١٨٩ هامش (٦).

<<  <   >  >>