للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك كان تاركًا لما أوجبه الله عليه من القيام بحجته ونشر أحكامه وإرشاد عباده إلى معالمه ونهيهم عن تجاوز حدوده ولا شك أن ذلك من أوجب الواجبات على أهل العلم وأهم المهمات (١)، ولو جاز ذلك لمن طُلب منهم وعول عليه لجاز لغيره من أهل العلم أن يصنع كصنعه ويسلك مسلكه، فتتعطل معاهد الشرع وتذهب رسومه "ويتخذ الناس رؤساء جهالًا يقضون بغير علم فيَضلون ويُضلون" وذلك من علامات القيامة وأشراط الساعة كما ورد به الخبر الصحيح (٢).

[[الطبقة الثانية من حملة العلم]]

وإذا عرفت ما ينبغي لأهل الطبقة الأولى من العلوم فلنتكلم الآن في بيان ما ينبغي لأهل الطبقة الثانية من الطبقات المذكورة سابقًا، وهي طبقة من يريد أن يعرف ما طلبه منه الشارع من أحكام التكليف والوضع على وجه يستقل فيه بنفسه ولا يحتاج إلى غيره، من دون أن يتصور البلوغ إلى ما تصوره أهل الطبقة الأولى من تعدي فوائد معارفهم إلى غيرهم والقيام في مقام أكابر الأئمة المرجوع إليهم، كما يتصوره أهل الطبقة الأولى.

فنقول: صاحب هذه الطبقة الثانية هو من يطلب ما يصدق عليه مسمى الاجتهاد ويسوِّغ به العمل بأدلة الشرع، وهو يكتفي بأن يأخذ من كل فن من


= الإصلاح أن يطلب "الولاية" لنفسه، حيث يقول في تفسير قوله تعالى - على لسان يوسف ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ (يوسف/٥٥): وفيه دليل على أنه يجوز لمن وثق من نفسه إذا دخل في أمر من أمور السلطان أن يرفع منار الحق ويهدم ما أمكنه من الباطل طلب ذلك لنفسه" (فتح القدير ٣/ ٣٥).
(١) ولهذا السبب قبل المؤلف منصب القضاء، راجع عن ظروف توليه لهذا المنصب في: البدر الطالع ١/ ٤٦٤ - ٤٦٦، ٢/ ٢٢٤، التقصار ص ٢٤ - ٢٥، ٤٢٥ - ٤٢٦.
(٢) سبق تخريجه ص ١٣٣ (هامش).

<<  <   >  >>