للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبالجملة فليس المتعصب بأهل لأن يؤخذ الحق من مؤلفاته فإنه إذا لم ينتفع بالعلم ويهتدي بما عرف منه فكيف يهتدي به غيره أو يتوصل بما جمعه إلى ما هو الحق. فالمصاب بالعمى لا يقود الأعمى. فإن فعل كانت ظلمات بعضها فوق بعض. والمريض لا يداوي من هو مصاب بمثل مرضه. ولو كان صادقًا فيما يزعمه من اقتداره على المداواة كانت نفسه التي بين جنبيه أحق بذاك منه.

[تاسعًا: التقليد في علم الجرح والتعديل]:

ومن جملة الأسباب المانعة من الإنصاف: التقليد في علم الجرح والتعديل لمن فيه عصبية من المصنفين فيه كما يجده اللبيب كثيرًا. فإنه إذا تصدى لذلك بعض المصابين بالتقليد كان العدل عنده من يوافقه في مذهبه الذي يعتقده. والمجروح من خالفه كائنًا من كان. ومن خفي عليه فلينظر ما في مصنفات الحفاظ بعد انتشار المذاهب وتقيد الناس بها (١).


= البعض بما ورد عن الشارع من النهي عن قبول شهادة الخصمين على عداوة ويضيف: وأي عداوة أعظم من عداوة أهل المذاهب، الأنفاس الرحمانية اليمنية في أبحاث الإفاضة المدنية (مخطوط ضمن مجموع رسائل ابن الأمير) ق ٢١٩؛ راجع أيضًا لابن الأمير: توضيح الأفكار ٢/ ١٤٦ وما بعدها؛ السبكي معيد النعم ص ٦٢، المقبلي، العلم الشامخ ص ٢٠٥.
(١) استشهد تاج الدين السبكي (ت ٧٧١ هـ) على أثر الاختلاف المذهبي في حمل المؤرخين على التعصب وعدم الإنصاف بحالة شيخه الذهبي فيقول: "وغالب ما يؤتي هؤلاء (أي المؤرخين) من المخالفة في العقائد فقل أن ترى من الحنابلة إلّا ويضع من الأشاعرة، وهذا شيخنا الذهبي كان سيد زمانه في الحفظ مع الورع والتقوى، مع ذلك يعمد إلى أئمة الإسلام من الأشاعرة فيظهر عليه من التعصب عليهم ما ينفِّر القلوب، وإلى طائفة من المجسمة فيظهر عليه من نصرتهم ما يوجب سوء الظن به، وما كان والله إلا تقيًا نقيًا، ولكن حمله التعصب واعتقاده أن مخالفه على خطأ وقل أن ترى أشعريًا من الشافعية والحنفية إلا ويبالغ في الطعن على هؤلاء (أي الحنابلة)، ويصرح بتكفيرهم" معيد النعم ومبين النقم ص ٧٠.

<<  <   >  >>