للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك ما في كتب المؤرخين فإن الموافقة في المذهب حاملة على ترك التعرض لموجبات الجرح وكتم الأسباب المقتضية لذلك فإن وقع التعرض لشيء منها نادرًا أكثر المصنف من التأويلات والمراوغات والتعسفات الموجبة لدفع كون ذلك الخارج خارجًا. وإن كان الكلام على أحوال المخالف كان الأمر بالعكس من ذلك فالفضائل مغموطة، والرذائل منشورة من غير تأويل ولا إحسان ظن.

وبالجملة: فالاهتمام في الموافق بذكر المناقب دون المثالب. وفي المخالف بالعكس من ذلك. ولا أقول إنهم يتعمدون الكذب ويكتمون الحق فهم أعلى قدرًا وأشد تورعًا من ذلك. ولكن رسخ في قلوبهم حب مذاهبهم فأحسنوا الظن بأهلها (ونفرت أنفسهم عن مذاهب غيرهم فأساؤوا الظن بأهلها) (١) فتسبب عن ذلك ما ذكرنا ولم يشعروا بأن هذا الصنيع من أشد التعصب وأقبح الظلم. بل ظنوا أن ذلك من نصرة الدين ورفع منار المحقين ووضع أمر المبطلين غفلة منهم وتقليدًا. وقد يقع ذلك بين أهل المذهب الواحد مع اتفاقهم في التقليد لإمام واحد واعتقادهم بمعتقد واحد. فإذا تصدى أحدهم لتراجم أهل مذهبه أطال ذيل الكلام عند ذكر شيوخه وتلامذته بكل ما يقدر عليه. وكذلك يوسع نطاق المقام عند ترجمته لمن له عليه أي يد كانت فإذا ترجم غير شيوخه/ وتلامذته وأهل مودته طفف لهم تطفيفًا. وأوسعهم ظلمًا وحيفًا. وإذا كان هذا مع الاتفاق في المذهب والمعتقد فما ظنك بما يكون مع الاختلاف في المذهب والاتفاق في التسمي باسم واحد أما باعتبار الاعتقاد أو باعتبار أمر آخر كأهل المذاهب الأربعة، فإنهم اختلفوا في المذاهب مع اتفاقهم على أنهم أهل السنة، واشتراك غالبهم في اعتقاد قول الأشعري. فإن دائرة الأهوية حينئذ تتسع. ومحبة العصبية تكثر. كما


(١) ما بين القوسين ساقط من (ب).

<<  <   >  >>