للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تراه كثيرًا في تراجم بعضهم لبعض خصوصًا فيما بين الحنابلة ومن عداهم من أهل المذاهب الأربعة (١). وكذلك فيما بين الحنفية ومن عداهم. ومن نظر في ذلك بعين الإنصاف علم بالصواب.

دع عنك ما يقع مع الاختلاف في المذاهب والمعتقدات، فإنه يبلغ الأمر إلى عداوة فوق عداوة أهل الملل المختلفة. فطالب الإنصاف لا يلتفت إلى شيء مما يقع من الجرح والتعديل بالمذاهب والنحل. فَيَقْبَلون جميعًا إلا أن يكون ما جاء به المتمذهب مقويًا لبدعته. أو كان على مذهب لا يرى بالكذب فيه بأسًا كما هو عند غلاة الرافضة (٢). وأما ما عدا الجرح والتعديل بالمذاهب والمعتقدات، فإن كان المتكلم في ذلك بريئًا عن التمذهب والتعصب كما يُروى عن السلف قبل انتشار المذاهب، فأحرص عليه واعمل به على اعتبار صحة الرواية وصدوره في الواقع، وإما باعتبار كونه جارحًا أو غير جارح فذلك مفوض إلى نظر المجتهد. والذي ينبغي التعويل عليه أن القادح إن كان يرجع إلى أمر يتعلق بالرواية كالكذب فيها وضعف الحفظ والمجازفة فهذا هو القادح المعتبر. وإن كان يرجع إلى شيء آخر فلا اعتداد به وإن كان المتكلم متلبسًا بشيء من هذه المذاهب فهو مقبول في جرح من يجرحه من الموافقين له وتزكية من يزكيه من المخالفين له. وأما إذا جاء بما يقتضي تعديل الموافق وجرح المخالف، فهذا مما ينبغي التوقف فيه حتى


(١) راجع على سبيل المثال ترجمة أبي حنيفة عند يعقوب بن يوسف البسوي (الفسوي) (ت ٢٧٧ هـ) في كتابه المعرفة والتاريخ، تحقيق: أكرم ضياء العمري، بغداد: وزارة الأوقاف (١٩٧٥) ٢/ ٨٧٢ وما بعدها فأغلب الظن أن المؤلف لو ترجم للشيطان في كتابه لما زاد عن أن ينعته بما نعت به أبا حنيفة.
(٢) يذكر أصحاب علوم الحديث أن فرقة من هذه الفرق تسمى "الخطابية" كانت تجيز وضع الحديث لنصرة مذهبهم كما كانت تجيز الكذب وشهادة الزور على مخالفيهم، راجع توضيح الأفكار ٢/ ٧٥ - ٧٦.

<<  <   >  >>