للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأمر الثاني: هذه الاعتقادات التي حدثت لهذه الأمة في صالحي الأموات حتى صار الرجل يقرن من يعتقده من الأموات بمن يقلده منهم. فيقول إمامه في المذهب فلان، وشيخه في الاعتقاد والمحبة فلان. وهذا يقوله ظاهرًا، وهو لو كوشف ونطق بما في ضميره لقال وشيخه الذي يعوّل عليه في زعمه عند الشدائد في قضاء حاجاته ونيل مطالبه فلان. فصمِّي صَمَام (١)، من خلف وأمام. فإن هذه الداهية الدهياء والمصيبة الصماء العمياء، فقد كان أوائل المقلدة يعتمدون على أئمتهم في المسائل الشرعية ويُعوّلون على آرائهم، ويقفون عند اختياراتهم، ويَدعون نصوص الكتاب والسنة، ولكنهم لا ينزلون حوائجهم بغير الله ﷿، ولا يناجون سواه ولا يرجون غيره، ولا يعوّلون إلا عليه، ولا يطلبون إلا منه، فهم وإن خلطوا صومهم وصلاتهم وحجهم وزكاتهم وسائر عباداتهم ومعاملاتهم بآراء الرجال، وقلدوا في كثير من تفاصيلها ما لم يأذن الله بتقليده، وأخذوا دينهم على الوجه الذي لم يأمر الله به ولا ارتضاه لهم. لكنهم لم يخلطوا في معنى لا إله إلا الله، ولا تلاعبوا بالتوحيد، ولا دخلوا في أبواب الشرك ومضايق الجحود وبلايا الجاهلية وما كانوا عليه.

وأما هؤلاء فعمدوا إلى جماعة من الأموات الذين لا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون، فقصدوهم في المهمات، وعكفوا على قبورهم ونذروا لهم النذور ونحروا لهم النحاير وفزعوا إليهم عند المهمات. فتارة يطلبون منهم من الحاجات ما لا يقدر عليه إلا الله ﷿ وخصوهم بالنداء وأفردوهم بالطلب. وتارة ينادونهم مع الله ﷿ ويصرخون بأسمائهم مع


(١) الصَمِّ: الداهية الشديدة، صَمَام: كقَطام، عَلمٌ للداهية الشديدة و (صَمّي صمام): أي زيدي يا داهية (لسان العرب مادة (صَمم)، مجمع الأمثال ٢/ ٢١٩).
(٢) في (ب) أدوار.

<<  <   >  >>