للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النبوية، فإذا كشفت عنها وجدتها في الأصل كلمة قالها بعض علماء (١) الكلام، زاعمًا أنه يقتضي ذلك العقل ويستحسنه. وليس إلا مجرد الدعوى على العقل وهو عنه بريء، فإنه لم يقض بذلك العقل الذي خلقه الله في عباده، بل قضي به عقل قد تدنس بالبدع وتكدر بالتعصب وابتلي بالجهل بما جاء به الشرع، وجاء بعده من هو أشد بلاءً منه واسخف عقلًا وأقل علمًا وأبعد عن الشرع، فجعل ذلك قاعدة عقلية ضرورية فدفع بها جميع ما جاء عن الشارع عرف هذا من عرفه وجهله من جهله. ومن لم يعرف هذا فليتهم نفسه. فيا لله العجب من فرية (٢) يفتريها على العقل بعض من حُرم علم الشرع. ثم يأتي من بعده فيجعلها أصولًا مقررة وقواعد محررة. ويؤثرها على قول الله ﷿ وقول أنبيائه. وهكذا تجد في علم أصول الفقه قاعدة قد أخذها الآخر عن الأول وتلقنها الخلف عن السلف وبنوا عليها القناطر وجعلوها إمامًا لأدلة الكتاب والسنة يجيزون ما أجازته ويردون ما ردته (٣). وليست من قواعد اللغة الكلية ولا من القوانين الشرعية بل لا مستند لها إلا الخيال المختل والظن الفاسد والرأي البحت ومع هذا فهم يزعمون أن هذا العلم لا تُقبل فيه إلا الأدلة القطعية، دعوى ظاهرة البطلان واضحة الفساد، فإن غالبها لا يوجد عليه دليل من الأحاد صحيح ولا حسن. بل لا يوجد آحادي ضعيف، وغالب ما يوجد الموضوعات التي لا يمتري من له حظ من العلم في كذبها كاستدلالهم بمثل: "حكمي على الواحد حكمي على


(١) في (ب) حكماء.
(٢) في (ب) مزية.
(٣) قارن بـ: فتح القدير (للمؤلف) ١/ ٥٢٦، البغدادي، الفرق بين الفرق ص ٣١٧؛ المقبلي، العلم الشامخ ص ٤٨، ١٢٧ - ١٢٨، شاه وحي الله الدهلوي، الأنصاف في بيان أسباب الخلاف ص ٩٩، محمد رشيد رضا الوحدة الإسلامية ص ١٥٩ - ١٦٠.

<<  <   >  >>