للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونهاره، ويتفكر في أخلاقه وشمائله، وهديه وسمته، وما كان عليه أصحابه، وكيف كان هديهم في عباداتهم ومعاملاتهم. فإنه إذا تداوى بهذا الدواء ولاحظته العناية الربانية، وجذبته الهداية الإلهية، فاز بكل خير مع ما له من الأجر الكثير، والثواب الكبير، في مباشرة هذه الأسباب وإذا حال بينه وبين الانتفاع بهذه الأمور حائل ومنعه من الظفر بما يترتب عليها مانع، فقد نال بتلك الأسباب التي باشرها أجرًا عظيمًا، لأنه طلب الخير من معدنه، ورام نيل الرشد من موطنه، فكان له في تلك الأشغال من الأجر ما لطلبة علم الشرع. لأنه قد جهد نفسه في الأسباب، ولم يفتح له الباب.

فانظر كم بين هذين الأمرين من المسافة الطويلة، فإن طالب الرشد بغير الأسباب الشرعية لا يأمن على نفسه بعد الوصول إلى مطلوبه من أن يكون صنعه كصنع الخوارج في خسرانهم بما ظنوه ربحًا ووقوعهم في الظلمة وقد كانوا يظنون أنهم يلاقون صبحًا، لأنهم خالفوا الطريقة التي أرشد الله إليها عباده وأمرهم بسلوكها. وإذا كان هذا الأمر مجوزًا في طلبة الخير من غير طريق الشرع كصلحاء الصوفية الذين لا رغبة لهم في غير تهذيب أخلاقهم على وجه يوجب زهدهم فيما ترغب النفوس إليه، وتتهالك الطبائع البشرية عليه، فما ظنك بمن كان من متصوفة الفلاسفة الذين يدورون بمرقعاتهم وأبدانهم القشفة وثيابهم الخشنة، ووجوههم المصفرة حول ما يقوله الفلاسفة من تلك المقالات التي هي ضد الشرع. وخلاف له وينهقون عند إدراك شيء من تلك المعارف الشيطانية نهيقًا منكرًا ويسمون ذلك حالًا، وهو عند التحقيق حال حائل عن طريق الدين، وخيال مائل عن سبيل المؤمنين. وللرد على هؤلاء جمعت الرسالة التي سميتها الصوارم الحداد (١)


(١) في الرد على أهل الاتحاد القائلين بوحدة الوجود وهي مخطوطة بمكتبة الجامع. (الحبشي).

<<  <   >  >>