كان التعليم أداة فعالة للتغيير، (تغيير الفكر أو السلوك)، فإنه لا يمكن الوصول إلى النتائج المرجوة منه طالما وأن تلك العوائق الفكرية ما تزال قائمة، إذ أن المعوقات التي تؤثر سلبًا على التعليم إنما هي مرتبطة بذلك الخلل الفكري الذي أدى إلى جمود العقل والفكر العربي، ونتيجة له، ولأن آراء الشوكاني في هذه الكتاب نابعة ومستمدة من تجربته الفكرية الثرية كباحث ومدرس ومجتهد، فقد حاول من خلاله أن يرسم المنهج العلمي للإحياء والتجديد وهو المنهج الذي صاغه وبشَّر به ودعا إليه، وأن يضع لطلابه وأبناء جيله أسس وقواعد التفكير والبحث العلمي، كأداة لتشخيص وتحديد مواطن الخلل التي تعيق النهوض أولًا، واستنباط أو اكتشاف الحلول الملائمة والكفيلة بتجاوز المجتمع لمحنته والخروج به من نفق الجمود والتخلف ثانيًا، فكان كتابه هذا أشبه ما يكون بما نسميه اليوم مناهج التفكير العلمي، أو قواعد البحث العلمي. ولهذا فإن فائدة هذا الكتاب لن تقتصر على طلبة العلم فحسب، بل سيستفيد منه كل من له صلة أو اهتمام بالعلم والبحث، كما تَصوَّر ذلك الشوكاني في مقدمة كتابه:"وإني أتصور الآن أن الكلام بمعونة الله ومشئيته لا بد أن يتعدى إلى فوائد ومطالب ينتفع بها المنتهي كما ينتفع بها المتبدي، ويحتاج إليها الكامل كما يحتاج إليها المقصر، ويعدها المحققون من أعظم الهدايا"(ص ٨١).
وقد التزم المؤلف نفسه في عرضه لموضوعات هذا الكتاب، بالمنهج العلمي الذي يدعو إليه باستثناء بعض التجاوزات أو الشطحات القليلة - سنشير إليها في خاتمة هذه الدراسة -، فهو يشخِّص المشكلة ويحددها بدقة، ثم يعمل بعد ذلك على تحديد أسبابها، وتوضيح مظاهرها وأبعادها، ثم يقدم الحلول التي يراها من وجهة نظره كفيلة بمعالجتها. فإذا كانت المشكلة متمثلة في الخلل الفكري وما ترتب عليه من جمود للفكر وإعاقة للعقل عن