جديداً، أو فرق جديدة، واستهدف للنقد
العنيف، والجرح المرير، إلى غير ذلك من نماذج الفكر وأساليب الحياة، وأنماط الإنسانية، ولعل
أصعب تاريخ هو تاريخ المعاصرين الذين يعاصرهم المؤلف، ويرى آثار نبوغهم ونباهتهم في
الحياة، وقد يبذل جهده، ويجهد نفسه في تصويرهم، وتحديد مكانتهم، والتنويه بشأنهم، فيستقله كثير
ممن عاشرهم وعرفهم عن كثب، ويستهوله كثير ممن سمع عنهم، أو خبرهم، واطلع على الخبايا،
ومواضع الضعف في حياتهم، وهكذا يستهدف المؤلف لنقد الفريقين، فحيناً ينسب إلى البخل
والتفريط، وحيناً يتهم بالمبالغة والإسراف، ولكن كل ذلك لا يمنع رائد الحقيقة، ومدون التاريخ من أن
يقيد معلوماته للأجيال القادمة، ويحفظ الملامح الحقيقية في المصور التاريخي العام الخالد.
أقدمت إلى هذا العمل الشاق المحرج، متهيباً مدفوعاً في البداية، منشرحاً مندفعاً في النهاية، وبدأت
أقرأ الكتاب، وأسجل ما وقع بعد المؤلف في حياة المترجم، وأطواره وآثاره، ومؤلفاته، معتمداً في ذلك
على أثبت المراجع وأوثق المصادر، ومما كتبه هو نفسه، أو أخص أصحابه، أو ما كان مشاهد
عيان، ومعرفة شخصية، وحرصت على أن يتميز كل ما أزيده، ويصدر عن قلمي القاصر عما صدر
عن قلم المؤلف نفسه، وما كان في متن الكتاب فجعلت الزيادات والملحقات كلها بين عمودين هكذا
حتى لا يلتبس الأصل بالزيادة، وبذلت مجهودي في أن أكتب بقلم، وأطبق مقاييسه وموازينه في
الحكم على الشخصيات، ونقدها وتقريظها، وحاولت أن أعيش في أدبه وأسلوبه وتفكيره، زمن إكمال
هذا الكتاب، وأقلده بقدر ما يمكن لشخص، أكثر من قراءة هذا الكتاب، وتشرب أسلوبه وفكرته، مع
ذلك أقر بأني لم أصل إلى النقطة التي وصل إليه المؤلف في السداد والاقتصاد، وغزارة العبارة،
وقلة المباني، وكثرة المعاني، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
هذا، والزيادات كلها محدودة في التراجم التي جاءت في الكتاب، ولم أضم تراجم جديدة إلى الكتاب،
ولم أكتب ترجمة جديدة لم يكتبها المؤلف، فإن الأمر كان يطول جداً، وقائمة الشخصيات التي نبغت
بعد المؤلف، واستحقت التنويه والتسجيل أو فات المؤلف ذكرها، كبيرة تبلغ إلى المئات، وهو
موضوع كتاب مستقل يكون ذيلاً لكتاب نزهة الخواطر ولعل الله يقيض لذلك رجلاً آخر يوفق للقيام
به.
وبدأت أقيد سني وفيات المترجمين، فلا أجد إلى كثير منها سبيلاً، فيما عندنا من المطبوعات
والمراجع، فاضطر إلى مراسلة من يتصل بهؤلاء المترجمين بسبب، أو يلتقي بهم في زمالة أو
نسب، وطالت المراسلات، وتكررت الرسائل والردود، وقد جر ذلك في بعض الأحيان إلى زيارة
القبور، وقراءة الألواح، والاتصال بأبناء المترجمين وأحفادهم، وقد جر هذا البحث في بعض الأحيان
إلى مراجعة الأوراق والوثائق في البلدية، لتحقيق اسم الوالد، أو سنة ولادته، فاجتمعت بذلك مجموعة
كبيرة من الوفيات والمعلومات، وأسماء المؤلفات، ولم يبق إلا نحو ١٣٠ شخصاً لم أهتد إلى سني
وفياتهم، فأشرت إلى ذلك في الهامش، وأكبر ظني أنه لو تأخر هذا البحث عن السنين والتواريخ،
والمعلومات عن المترجمين عدة سنين أخر لضاع الشيء الكثير منها وتلف، ولم يكن إليه سبيل لمن
يأتي بعدنا، ويحاول جمع هذه المعلومات، ويؤلف كتاباً في تراجم هؤلاء الرجال، وقد شاهدت في ذلك
تيسيراً لا أعلله إلا بإخلاص المؤلف، والإعانة الغيبية لحفظ آثار العلماء والمؤلفين الذين أفنوا قواهم،
وأجهدوا نفوسهم في سبيل العلم أو الدين.
وفي الآخر إن كاتب هذه السطور مدين لأولئك الأفاضل الذين أعانوه بالمعلومات، وبصفة خاصة
في التواريخ وسني الوفيات، ولم يضنوا بما عندهم من علم، ووثائق تاريخية، ومراجع علمية، ولولا
أن قائمة أسماء هؤلاء