[ناصر الدين سبكتكين الغزنوي]
الملك المؤيد المنصور ناصر الدين سبكتكين الغازي ملك غزنة، كان من غلمان ألبتكين
صاحب جيش غزنة للسامانية، اتفق الناس عليه بعد ما توفي أبو إسحاق ابن ألبتكين سنة
ست وستين وثلث مائة، ولم يخلف من أهله وأقاربه من يصلح للتقدم، فاتفقوا على
سبكتكين لما عرفوه من عقله ودينه ومروءته وكمال خلال الخير فيه، فقدموه عليهم وولوه
أمرهم وحلفوا له وأطاعوه، فوليهم وأحسن السيرة فيهم، وساس أمورهم سياسة حسنة
وجعل نفسه كأحدهم في الحال والمآل، وكان يدخر من أقطاعه ما يعمل منه طعاماً لهم في
كل أسبوع مرتين، ثم لما عظم شأنه وارتفع قدره وحسن بين الناس ذكره، تعلقت الأطماع
بالاستعانة به فأتاه صاحب بست مستعيناً به، وضمن له مالاً مقرراً وطاعة يبذلها له،
فتجهز وسار معه ونزل على بست، وقاتل خصيمه قتالاً شديداً، وتسلم صاحبه البلد، ثم
إنه أخذ في المطل فقاتله واستولى على بست ثم إنه سار إلى قصدار، وكان متوليها قد
عصى عليه لصعوبة مسالكها وحصانتها وظن أن ذلك يمنعه فسار إليه جريدة مجداً فلم
يشعر إلا والخيل معه فأخذ من داره، ثم إنه من عليه ورده إلى ولايته وقرر عليه مالاً يحمله
كل سنة، ثم جمع العساكر وسار نحو الهند فافتتح قلاعاً حصينة على شواهق الجبال وبنى
المساجد بها في سنة سبع وستين وثلث مائة.
ورجع إلى غزنة سالماً ظافراً، ولما رأى جي بال ملك بنجاب ما دهاه وأن بلاده تملك من
أطرافها، أخذه ما قدم وحدث فحشد وجمع واستكثر من الفيول وسار حتى اتصل بولاية
سبكتكين وسار سبكتكين عن غزنة إليه ومعه عساكره وخلق كثير من المتطوعة فالتقوا
واقتتلوا أياماً كثيرة وصبر الفريقان، وبالقرب منهم عقبة غورك وفيها عين ماء لا تقبل نجساً
ولا قذراً وإذا ألقى فيها شيء من ذلك أكفهرت السماء وهبت الرياح، وكثر الرعد والبرق
والأمطار، ولا تزال كذلك إلى أن تطهر من الذي ألقى فيها، فأمر سبكتكين بإلقاء نجاسة في
تلك العين فجاء الغيم والرعد والبرق وقامت القيامة على الهنود لأنهم رأوا ما لم يروا مثله،
وتوالت عليهم الصواعق والأمطار واشتد البرد حتى هلكوا وعميت عليهم المذاهب
واستسلموا لشدة ما عاينوه، وأرسل جي بال إلى سبكتكين يطلب الصلح، وترددت الرسل
فأجابهم إليه بعد امتناع من ولده محمود على مال يؤديه وبلاد يسلمها وخمسين فيلاً يحملها
إليه، فاستقر ذلك ورهن عنده جماعة من أهله على تسليم البلاد وسير معه سبكتكين من
يتسلمها فإن المال والفيلة كانت معجلة، فلما أبعد جي بال قبض على من معه من المسلمين
وجعلهم عند عوضاً عن رهائنه.
فلما سمع سبكتكين بذلك جمع العساكر وسار نحو الهند فأخرب كل ما مر عليه من
بلادهم، وقصد لمغان وهي من أحسن قلاعهم فافتتحها عنوة وهدم بيوت الأصنام، وأقام
فيها شعار الإسلام، وسار عنها يفتح البلاد ويقتل أهلها، فلما بلغ ما أراده عاد إلى غزنة،
فلما بلغ الخبر جي بال سقط في يده وجمع العساكر وسار في مائة ألف مقاتل فلقيه
سبكتكين وأمر أصحابه أن يتناوبوا القتال مع الهنود ففعلوا ذلك فضجر الهنود من دوام
القتال معهم وحملوا حملة واحدة، فعند ذلك اشتد الأمر وعظم الخطب، وحمل أيضاً
المسلمون جميعهم واختلط بعضهم ببعض فانهزم الهنود، وأخذهم السيف من كل جانب
وأسر منهم ما لا يعد وغنم أموالهم وأثقالهم ودوابهم الكثيرة، وذل الهنود بعد هذه الوقعة،
ولم يكن لهم بعدها راية، ورضوا بأن لا يطلبوا في أقاصي بلادهم.
ولما قوي سبكتكين بعد هذه الواقعة أطاعه الأفغانية والخلج وصاروا في طاعته،