به إلى منير في سنة
تسعين أو إحدى وتسعين وستمائة، وكان والده قد توفي إلى رحمة الله قبل أن يصل إلى
بلدته، فلبث بها برهة من الزمان ثم ترك ولده عند أمه وسافر إلى دهلي، فأدرك بها الشيخ
نظام الدين محمداً البدايوني وخلقاً آخرين من المشايخ، ثم رحل إلى باني بت ولقي بها الشيخ
شرف الدين أبا علي القلندر، ثم رجع إلى دهلي ولبس الخرقة من الشيخ نجيب الدين
الفردوسي ثم عاد إلى بلاده، ولما وصل إلى بهيا- بكسر الموحدة وسكون الهاء وفتح
التحتية والألف كانت بادية عظيمة من أعمال بهار- غاب في تلك البادية ولم يوجد له عين
ولا أثر إلى اثنتي عشرة سنة، ثم رحل إلى جبل راجكير، وعاش به وبغيره من البوادي مدة
مديدة، كان يشتغل بالرياضة والمجاهدة منقطعاً إلى الله سبحانه، لم يستأنس في تلك المدة
بأحد من الناس، وكان ذلك ثلاثين سنة تقريباً.
ولما أراد الله أن ينفع به عباده ألقى في قلوب الناس أن يتحسسوا عنه فمال إليه الناس
واستأنس بهم حتى صار يجئ معهم إلى العمران ثم يذهب إلى البادية، ولم يزل كذلك مدة
من الزمان فألح الناس عليه أن يقيم بمدينة بهار لينتفعوا به، وبنى له نظام مولى البهاري أحد
أصحاب الشيخ نظام الدين محمد البدايوني داراً خارج البلدة وألخ عليه بأن يسكن فيها،
فقبله مستكرهاً وقال: محبتكم أدتني إلى أن أقمت في بيت الصنم، وكان ذلك فيما بين سنة
إحدى وعشرين وأربع وعشرين من السبعمائة، كما في سيرة الشرف.
ثم بنى له محمد شاه تغلق خانقاهاً رفيعاً وأمر أن يقيم به، ولم يسعه إلا القبول فأقام به
ونشر ما منحه الله سبحانه من علوم أسرار الكتاب والسنة وكشف عن إشاراتهما الباهرة
ولطائفهما الزاهرة بعبارته الجلية المشرق عليها نور الإذن الرباني واللائح عليها أثر القبول
الرحماني، وازدحم عليه الخاص والعام حينئذ للاستفادة وتلقى كل أحد من تلك اللطائف
على قدر الاستعداد.
هذه جملة صالحة من أخباره نفعنا الله ببركاته، وأما مقاماته القدسية في العلوم والمعارف
والقرب والوصول فلا تسأل عن ذلك فإنها كانت وراء طور العقول، وإن شئت الإطلاع
فارجع إلى مصنفاته فإن فيها ما يشفي العليل ويروي الغليل ويوصل السالك إلى سواء
السبيل، ومن مصنفاته مكتوباته في ثلاثة مجلدات عددها ثلاثمائة وثمانية وعشرون مكتوباً،
ومنها الأجوبة وفوائد ركني وإرشاد الطالبين وإرشاد السالكين ومعدن معاني ولطائف
المعاني ومخ المعاني وخوان بر نعمت وتحفه غيبي والملفوظات المسماة بزاد السفر وعقائد
شرفي وشرح آداب المريدين في عدة مجلدات.
وكانت وفاته ليلة السادس من شوال سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة وله عشرون ومائة سنة
في عهد فيروز شاه السلطان، وصلى عليه السيد أشرف جهانكير السمناني بالناس، وقبره
مشهور ظاهر ببلدة بهار يزار ويتبرك به
الشيخ أحمد بن محمد البخاري
الشيخ الكبير أحمد بن محمد الحسيني البخاري المعروف بخواجه كرك الله الكروي كان
من الرجال المشهورين، توفي والده في صغر سنه فخرج من بلدته للسياحة، فلما وصل إلى
بهمرولي قرية من أعمال إله آباد، أدرك بها الشيخ إسماعيل القرشي الملتاني فصحبه وأخذ
عنه الطريقة، وألزم نفسه الرياضة والمجاهدة واشتغل بها مدة من الزمان حتى صار مغلوباً
على حاله فأقام بمدينة كره، ولم يزل عرياناً وبين يديه أتون يدخل فيه قدمه والنار تلتهب فيها،
وكلما كان يحصل له الملبس والمطعم يلقيها في النار.
ويذكر له كشوف وكرامات منها أن السلطان جلال الدين الخلجي لما قصد ابن أخيه علاء
الدين وسار إلى مدينة كره حضر علاء الدين لديه واستعان منه فقال: هر كه آمد بر سر
جنك تن در كشتي سر در كنك، فوقع كذلك وقتل جلال الدين.
وكان معاصراً لجدي الكبير القاضي ركن الدين الكروي وكان إذا رآه يستر عورته ويقول:
إنه رجل، كما في ملفوظاته.
ومن شعره قوله:
اندر طلب يار جو مردانه شدم أول قدم از وجود بيكانه شدم