ونشأ بدار الملك دهلي، وتنبل في أيام
السلطان غياث الدين بلبن ولم يزل ملازماً للجد والاجتهاد في التحصيل والتضلع في العلوم
حتى بلغ الغاية وتفرد بالشعر والموسيقى والبلاغة وغيرها من العلوم، وكانت له فيها معرفة
تامة، ثم مال إلى مذهب الصوفية وسلوك طريقتهم، فبايع الشيخ الامام المجاهد نظام الدين
محمد بن أحمد البدايوني، وكان قد نال حظاً وافراً من تقرب الملوك والأمراء ونال منهم من
الصلات والجوائز لم ينلها أحد وإنك لا تكاد تسمع من يدانيه في الشعر ويجاريه في البلاغة،
اخترع أنواعاً من البديع، منها أبو قلمون، وهو في اللغة ثوب رومي يتلون ألواناً، وفي
الإصطلاح عبارة واحدة تؤدي معناها في لغتين أو أكثر، وهو يرجع إلى التورية المركبة من
الألسنة المختلفة، وذلك الإسم من مخترعات السيد غلام علي البلكرامي صاحب سبحة
المرجان، ومنها ذو الوجهين، وهو أن يرتب المتكلم كلاماً يصح معناه بالعربية والفارسية
بالتصحيف والتحريف، ومنها قلب السانين، وهو أن يرتب المتكلم كلاماً عربياً إذا قلب
يكون كلاماً فارسياً أو كلاماً فارسياً إذا قلب يكون كلاماً عربياً.
ومن مخترعاته في الموسيقى أغان كثيرة منها القول وترانه وخيال ونقش ونكار وبسيط
وتلانه وسوهله وله تصرفات عجيبة في الأغاني القديمة لا يحتملها هذا المختصر.
وأما مصنفاته فهي كثيرة ممتعة، منها إعجاز خسروي في البدائع ومحسنات الكلام في ثلاثة
مجلدات، فرغ من تصنيفه سنة تسع عشرة وسبعمائة، ومنها أفضل الفوائد جمع فيه
ملفوظات شيخه نظام الدين المذكور، وله خمسة دواوين في الشعر الفارسي تحفة الصغر
ووسط الحياة وغرة الكمال والبقية النقية ونهاية الكمال وله خمس مزدوجات عارض بها
خمسة الشيخ نظامي الكنجوي: الأولى مطلع الأنوار والثانية شيرين خسرو والثالثة ليلى
مجنون والرابعة آئينة إسكندري والخامسة هشت بهشت، نسخ خمستها في سنتين، وفيها
ثمانية عشر ألف بيت.
ومن مصنفاته قران السعدين وهي أول مزدوجة صنفها في سنة ثمان وثمانين وستمائة في
لقاء كيقباد وأبيه بغراخان. ومنها تاج الفتوح مزدوجة في غزوات السلطان جلال الدين
الخلجي، ومنها خزائن الفتوح مزدوجة في فتوح السلطان علاء الدين محمد شاه الخلجي،
ومنها نه سبهر صنفها باسم السلطان قطب الدين مبارك شاه الخلجي، ومنها ديول راني
خضر خان وهي المزدوجة الغرامية في أخبار خضر خان بن علاء الدين الخلجي
وعشيقته ديول راني، ومنها تغلق نامه في غزوات غياث الدين تغلق، وأبياته في تلك
المصنفات يربو عددها على أربعمائة ألف، كما في مرآة الخيال.
وكان ممن تفرد في علم الأدب والشعر، واشتهر أمره في حياته حتى بلغ صيته إلى أقصى
إيران، وسارت بمصنفاته الركبان، فلما أراد محمد بن غياث الدين الشهيد أن يستقدم الشيخ
سعدي المصلح الشيرازي إلى الهند اعتذر لكبر سنه وأوصاه بأن يرشح الأمير خسرو
ويربيه، فإن عليه لائحة الرشد والتمييز.
قال القاضي ضياء الدين البرني في تاريخه: إنه كان ملك ملوك الشعراء من السلف إلى
الخلف، لم يكن له نظير في اختراع المعاني وكشف الرموز الغريبة وكثرة المصنفات، فإن كان
بعض الشعراء متفردين في فن أو فنين فإنه كان متفرداً في جميع الفنون الشعرية، قال: ومع
ذلك الفضل والكمال كان صوفياً مستقيم الحال، صرف أكثر عمره في الصيام والتعبد
والتلاوة، وكان صاحب وجد وحالة ماهراً في علم الموسيقى عالماً وعملاً، انتهى.
ومن شعره قوله:
ذاب الفؤاد وسال من عيني الدم وحكى الدوامع كل ما أنا أكتم