الاستقلال وقتل سلمان غيلة، فقام مصطفى بن أخته لأخذ ثأره فقتل خير
الدين سنة خمس وثلاثين وتسعمائة واستقل بقلعة كمران، وفي أثناء ذلك كتب والده بهرام إليه وكان
باستنبول خبر عزله وأمره بالخروج إلى الهند قبل وصول المتولي لليمن، فاستعد وخرج بأصحابه
وبمن تبعه ووصل إلى بندر ديو سنة سبع وثلاثين وتسعمائة، وكان بها الأمير طوغان بن أياز
السلطاني فلما علم به استقبله ورحب به وكتب إلى سلطانه بهادر شاه الكجراتي بوصوله وجاء
الطلب له، فتوجه إلى جانبانير واجتمع بالسلطان ونال منه الحظ والقبول ولقب برومي خان وولي
نفط خانه، وكان من هديته له مدفع صاغه سلمان باسم سليمان صاحب الروم سماه ليلى، فصاغ مدفعاً
آخر باسم بهادر شاه سماه مجنون، واختار من الولاية راندير وسورت وما يليه من السواحل إلى
مهائم، ثم استضاف ديو فعزل عنه السلطان نائبه طوغان المذكور وأضاف ديو إلى ولايته، ولما
وصل طوغان إلى جانبانير ولم يكن في قوته وشجاعته وهيكله في الملك أحد يضاهيه فأوجس منه
رومي خان خيفة، فأسره بهادر شاه وحبسه ثم أمر بقتله، وخدم رومي خان سلطانه بهادر شاه مدة من
الزمان وفتح بحسن تدبيره قلعة رنتهنبور، وكان السلطان وعد به رومي خان وبعد الفتح بدا له أن
يخلف وعده حذراً مما يفكر العاقل في العواقب، ولهذا أجزل صلته ووعده بجتور، فتأثر رومي خان
إلا أنه رضى بالوعد وكان بظاهره معه، فلما سار بهادر شاه إلى جتور سلط رومي خان عليه فعملت
مدافعه عملاً لا يطيقه من في القلعة وفتح جتور، وأخلف بهادر شاه وعده رومي خان مرة ثانية، فتأثر
منه رومي خان إلى الغاية وأضمر كيداً، فلما فرغ بهادر شاه من جتور وكان همايون شاه التيموري
صاحب دهلي بأجين توجه إليه واجتمعا في ناحية مندسور، وحيث كان رومي خان يعلم من همة
بهادر شاه أنه إذا عزم على أمر أمضاه خشى أن يفوته ما سينتقم لنفسه منه في خلف الوعد فقال
لبهادر شاه: إن عزمتم على الحرب فالذي معي من المدافع وبقية النفط إن لم يكن لها في مثل هذا
اليوم عمل ومجرى ففي أي يوم يكون لها ذلك فالرأي أن يكون المعسكر مركزاً وهي كالدائرة تحيط
به وتتخذ خندقاً يحيط بها، فيأمن المعسكر من تبييت العدو ومكره وليس للعدو أن يأمن ذلك، وبعد
الفراغ منه تخرج الطلائع وتحارب العدو وترجع، ونحن لا تنقطع عنا الميرة لأننا في أرضنا والعدو
بخلاف ذلك فينهزم بنفسه، وهذا دستور سلاطين الروم في حروبهم، فالتفت بهادر شاه إلى صدر خان
فقال: قول كالعسل وفعل كالأسل، دع النار لأهله، لا حصن كصهوة الحصان، ولا نافع كالسيف في
ملتقى العنان بالعنان، وحيث كان بهادر شاه يثق برومي خان ويميل إليه عمل برأيه، وكتب رومي
خان إلى همايون شاه يخبر بالميرة الواصلة ويشير عليه بأخذها ومنع طرق القوافل، ثم وقف على
المدافع وأمر بكسرها جميعاً فكانت رجة عظيمة، فركب بهادر شاه متنكراً وخرج إلى مندو، ولحق
رومي خان بهمايون شاه واختص بدرجة القرب منه، وتغلب همايون شاه على مالوه ثم على كجرات
بحسن تدبيره، ذكره الآصفي والكجراتي وغيرهما.
ومن لطائف هذه الأخبار ما ذكروه أن بينما همايون شاه وقد فتح مندو على سريره في أول يوم
جلوسه والملوك والأمراء على جهات سريره وقوف حسب مراتبهم على طبقاتهم جيء بببغاء لبهادر
شاه تنطق بلغات مختلفة، فوضع حاملها قفصها عند سريره، وفي أثناء ذلك حضر رومي خان في
ذلك الجمع العظيم وسلم، فرحب به همايون شاه وذكره باسمه، فما سمعت الببغاء باسمه إلا قالت
بلسان الهند، بهث رومي خان حرامخوار بهث رومي خان حرامخوار!، يعني سحقاً لك يا رومي خان
الغادر! سحقاً لك يا رومي خان الغادر! وكررت اللفظ مراراً، فأطرق رومي خان بين ذلك الجمع
حياء من مقالة الببغاء، فتسلية له خاطبه همايون شاه قائلاً: لو غير الببغاء قالها لسللت لسانه من قفاه
ولكنه طير قال الآصفي: والظاهر أنه لما خرج بهادر شاه نطق بهذه الكلمات من تخلف عنه وتكرر
ذلك وسمعتها الببغاء وحفظتها، ولما سمعت اسمه ذكرت الكلمات نطقت بها، كما كانوا ينطقون بها.
وأما رومي خان بعد ذلك فلازم همايون شاه وتقرب إليه، فسلطه همايون على قلعة جنار كده، ففتحها
سنة أربع وأربعين وتسعمائة، فأعطاه همايون الصلات الجزيلة وولاه على تلك القلعة الحصينة
المنيعة، وصار