الممزوج بالحق وذلك معنى التجديد، هذا ما قيل فيه.
ومن ألفاظه القدسية ما قاله في معارف الصوفية.
اعلم أن معارفهم وعلومهم في نهاية سيرهم وسلوكهم إنما هي علوم الشريعة لا أنها علوم أخر غير
علوم الشريعة، نعم تظهر في أثناء الطريق علوم ومعارف كثيرة ولكن لا بد من العبور عنها، ففي
نهاية النهايات علومهم علوم العلماء وهي علوم الشريعة، والفرق بينهم وبين العلماء أن تلك العلوم
بالنسبة إلى العلماء نظرية واستدلالية، وبالنسبة إليهم كشفية وضرورية.
وقال في الشريعة:
اعلم أن الشريعة متكفلة بجميع السعادات الدنيوية والأخروية، ولا يوجد مطلب يحتاج في تحصيله
إلى غير الشريعة، وأما الطريقة والحقيقة فهما خادمان للشريعة، وتحصيلهما لتكميل الشريعة لا غير،
وأما الأحوال والمواجيد والمعارف التي تظهر للصوفية في أثناء الطريق فليست من المقاصد، بل هي
أوهام وخيالات تربى بها الأطفال فلا بد من العبور عنها في النهاية.
وقال في التوحيد:
اعلم أن التوحيد قسمان: توحيد شهودي، وتوحيد وجودي، والذي لا بد منه هو التوحيد الشهودي
الذي يتعلق به الفناء، والتوحيد الشهودي لا يخالف العقل ولا الشرع بخلاف التوحيد الوجودي فانه
يخالفهما ويتضح ذلك بمثال، وذلك أنه قال شخص عند طلوع الشمس واختفاء الأنجم: لبس في
السماء إلا الشمس، فهذا القول صحيح لا يخالف العقل ولا الشرع، إذ لا يرى حينئذ إلا الشمس
لضعف بصره، فلو أعطى حدة البصر لرأى النجم مع الشمس، بخلاف ما لو قال ذلك قبل طوع
الشمس فإنه يكذبه العقل والشرع وأما أقوال المشايخ التي وردت في التوحيد فلا بد أن تحمل على
التوحيد الشهودي حتى لا تخالف العقل والشرع.
يقول الإمام السرهندي في رسالة كتبها إلى الشيخ فريد البخاري.
إن التوحيد الذي يحصل للصوفية في أثناء سلوكهم ينقسم قسمين:
التوحيد الشهودي، والتوحيد الوجودي، التوحيد الشهودي: عبارة عن روية واحد: أي أن لا يكون
شهود السالك إلا فرداً أحداً، والتوحيد الوجودي عبارة عن اعتقاد وجود واحد، وفناء كل ما سواه
وعدمه.
ثم يقول:
مثل أن يطمئن قلب إنسان على وجود الشمس، فلا يستلزم استيلاء هذا اليقين أن يعتقد عدم النجوم
وفناءها، ولكن هو عند ما رأى الشمس ولا يرى النجوم، فان مشهوده - حينئذ - ليس إلا الشمس،
ولكن رغم ذلك لا يعتقد أن النجوم فانية معدومة، بل يكون على يقين من أنها مختفية ومغلوبة بضوء
الشمس وشعاعه.
وهكذا حقق الإمام السرهندي وأثبت أن وحدة الوجود مقام يعرض للسالك خلال السلوك، فيشاهد -
عند ذلك - عياناً وجهاراً، أنه لا وجود هناك إلا لواجب الوجود، وكل ما يراه الانسان من وجود، فهو
وجود واحد، وما سواه فليس إلا تنوعاته وتلويناته وفي تعبير المتذوقين لهذا المشرب الوجودي
تنزلاته.
ولكن لو حالف التوفيق الرباني، ورافق الهدى النبوي وكان السالك صاحب طموح وعلو همة، فانه