فالمقصود من السير والسلوك وتزكية النفس وتصفية القلب إزالة الآفات المعنوية والأمراض القلبية،
كما قال تعالى: في قلوبهم مرض، حتى يتحقق بحقيقة الإيمان، فإن وجد إيمان مع وجود هذه الآفات
فهو بحسب الصورة فقط، فإن وجدان الأمارة حاكمة بخلافه ومصرة على حقيقة كفرها، ومثل هذا
الإيمان والتصديق الصوري مثل إيمان الصفراوي بحلاوة السكر، فإن وجدانه شاهد بخلافه، فكما أنه
لا يحصل اليقين الحقيقي بحلاوة السكر إلا بعد إزالة مرض الصفراء، فكذلك لا تحصل حقيقة الإيمان
إلا بعد تزكية النفس والاطمئنان، وحينئذ يكون وجدانياً، وهذا القسم من الإيمان محفوظ من الزوال،
ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون صادق في شأنهم، شرفنا الله تعالى بشرف هذا
الإيمان الكامل الحقيقي.
وقال في فضل الطريقة النقشبندية:
إعلم أن طريقة الخواجكان - قدس الله أسرارهم - مبنية على اندراج النهاية في البداية، قال الشيخ
نقشبند: نحن ندرج النهاية في البداية، وهذه الطريقة بعينها طريقة الصحابة الكرام رضوان الله تعالى
عليهم أجمعين، فإن الصحابة تيسر لهم في بداءة صحبتهم مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لم يتيسر
لغيرهم في نهايتهم، فلهذا لما تشرف وحشى قاتل حمزة رضي الله تعالى عنهما في بداءة إسلامه مرة
بصحبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أفضل من أويس القرني الذي هو خير التابعين، فالذي تيسر
لوحشي في بداءة تلك الصحبة ما تيسر لأويس القرني في نهايته.
وقال في بيان أن الجذبة التي قبل السلوك ليست من المقاصد:
إعلم أن للوصول طريقتين: الجذبة، والسلوك، وبعبارة أخرى: التزكية، والتصفية، والجذبة التي قبل
السلوك ليست من المقاصد، والتصفية التي قبل التزكية ليست من المطالب، والجذبة التي تكون بعد
تمام السلوك، والتصفية التي تكون بعد حصول التزكية الكائنة في السير في الله من المقاصد
المطلوبة، فالجذبة والتصفية السابقة لأجل تسهيل السلوك على السالك، وبدون السلوك لا ينال
المطلوب، وبلا قطع المنازل لا يظهر جمال المحبوب، فالجذبة الأولى كالصورة للثانية وفي الحقيقة
لا مناسبة بينهما، فالمراد من اندراج النهاية في البداية اندراج صورة النهاية وإلا فحقيقة النهاية لا
تسعها البداية - وتحقيق هذا المبحث مفصل في رسالة الجذبة والسلوك، فلا ينبغي الاكتفاء عن
الحقيقة بالصورة بل لا بد من العبور عن الصورة إلى الحقيقة - انتهى ما في المعربات للشيخ يونس
ملخصاً.
أما بيان وحدة الوجود ووحدة الشهود:
أما بيان وحدة الوجود على ما ذكره الشيخ الكبر وأتباعه ووحدة الشهود على ما ذكره الشيخ أحمد
والفرق بينهما فيلخص ذلك من المكتوب المدني للشيخ ولي الله بن عبد الرحيم العمري الدهلوي
يتضح لك ما قيل فيه:
إعلموا أن وحدة الوجود ووحدة الشهود لفظتان تطلقان في موضعين، فتارة تستعملان في مباحث
السير إلى الله عز وجل فيقال: هذا السالك مقامه وحدة الوجود، وذلك مقامه وحدة الشهود، ومعنى
وحدة الوجود ههنا الاستغراق في معرفة الحقيقة الجامعة التي تعين العالم فيها بحيث تسقط عنه أحكام
التفرقة والتمايز التي معرفة الخير والشر مبنية عليها، والشرع والعقل مخبران عنها مبينان لها أتم
بيان وأوفى إخبار، وهذا مقام يحل فيه بعض السالكين حتى يخلصه الله تعالى منه، ومعنى وحدة
الشهود: الجمع بين أحكام الجمع والتفرقة، فيعلم أن الأشياء واحدة بوجه من الوجوه كثيرة مباينة
بوجه آخر، وهذا المقام أتم وأرفع من الأول، وهذا الاصطلاح مأخوذ من بعض أتباع الشيخ آدم
البنوري قدس سره.
ومما يدل على شدة تمسكه بالشريعة الغراء وغيرته عليها أشد الغيرة، واستنكافه عن كل ما عارضها
من أقوال الصوفية وكلام المشايخ، ما جاء في رسالة له إلى معاصر كتب إليه أن الشيخ عبد الكبير
اليمني قال:
إن الله عليم بالكليات فقط فقال في الرد عليه:
يا سيدي! إن هذا الفقير لا يكاد يحتمل سمع مثل هذا الكلام، إن عرقي الفاروقي ينبض عند ذلك،
سواء كان ذلك كلام عبد الكبير اليمني أو محي الدين ابن