الدين الكبري، قدم الهند في سنة عشرين وستمائة ولقيه وأخذ
عنه الحديث وأعطاه رتن مشط النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مات بعد ستمائة من الهجرة
وقبره ببهلده- انتهى.
وقد ذكر الصلاح الكتبي في فوات الوفيات بسنده إلى قاضي القضاة نور الدين أبي الحسن
علي بن أبي عبد الله محمد بن الحسين الأثري الحنفي عن جده الحسين ابن محمد قال:
كنت في زمن الصبا وأنا ابن سبع عشرة سنة أو ثمان عشرة قد سافرت مع عمي من
خراسان إلى الهند في تجارة، فلما بلغنا أوائل بلاد الهند وصلنا إلى ضيعة من ضياع الهند
فعرج أهل القفل نحو الضيعة وضج أهل القافلة فسألنا عن الخبر فقالوا: هذه ضيعة الشيخ
رتن المعمر، فلما نزلنا الضيعة رأينا شجرة عظيمة تظل خلقاً كثيراً وتحتها جمع كثير من أهل
الضيعة، فبادر الكل نحو الشجرة ونحن معهم فرأينا سلة عظيمة معلقة في بعض أغصان
الشجرة فسألنا عن ذلك، فقالوا: هذه السلة فيها الشيخ رتن المعمر الذي رأى النبي صلى
الله عليه وسلم وروى عنه، فتقدم شيخ من أهل الضيعة إلى السلة وكانت ببكرة فأنزلها
فإذا هي مملوءة قطناً والشيخ في وسط القطن، ففتح رأس السلة وإذا بالشيخ فيها كالفرخ
فوضع فمه على أذنه وقال: يا جداه! هؤلاء قوم قدموا من خراسان وفيهم شرفاء من أولاد
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد سألوا أن تحدثهم كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم
؟ وماذا قال لك؟ فعندها تنفس الشيخ وتكلم بصوت كصوت النحل بالفارسية
ونحن نسمع ونفهم كلامه فقال: سافرت مع أبي وأنا شاب من هذه البلاد إلى الحجاز في
تجارة فلما بلغنا بعض أودية مكة وكان المطر قد ملأ الأدوية بالسيل فرأيت غلاماً أسمر
اللون حسن الوجه رائع الجمال وهو يرعى إبلاً في تلك الأودية وقد حال السيل بينه وبين إبله
وهو يخشى من خوض السيل لقوت فعلمت حاله فأتيت إليه وحملته وخضت به السيل إلى
أن جئت به عند إبله فلما وضعته عند إبله نظر إلي وقال بالعربية: بارك الله في عمرك!
ثلاثاً، فتركته ومضيت إلى سبيلي إلى أن دخلنا مكة وقضينا ما كنا أتينا له من أمر
التجارة وعدنا إلى الوطن فلما تطاولت المدة على ذلك كنا جلوساً في فناء ضيعتنا هذه
وكانت ليلة البدر فنظرنا إليه وقد انشق نصفين فغرب نصف في المشرق ونصف في المغرب
ساعة زمانية وأظلم الليل ثم طلع النصف من المشرق والنصف الآخر من المغرب وسار
إلى أن التقيا في وسط السماء كما كان أول مرة فعجبنا من ذلك غاية العجب ولم نعرف
لذلك سبباً وسألنا الركبان عن سبب ذلك فأخبرونا أن رجلاً هاشمياً ظهر بمكة وادعى
أنه رسول الله إلى كافة الخلق وأن أهل مكة سألوه معجزة كمعجزة سائر الأنبياء وأنهم
اقترحوا عليه أن يأمر القمر فينشق في السماء ويغرب نصفه في المشرق ونصفه في المغرب ثم
يعود إلى ما كان عليه، ذلك بقدرة الله تعالى، فلما سمعنا ذلك من السفار تشوقت أن أراه
فتجهزت في تجارة وسافرت إلى أن دخلت مكة وسألت عن الرجل الموصوف فدلوني عليه،
فأتيت إلى منزله واستأذنت عليه فأذن لي، فدخلت عليه فوجدته جالساً في صدر المنزل
والأنوار تتلألأ في وجهه وقد استنارت محاسنه وتغيرت صفاته التي كنت أعهدها في السفرة
الأولى فلم أعرفه، فلما سلمت عليه رد علي السلام وتبسم في وجهي وقال: أدن مني!
وكان بين يديه طبق فيه رطب وحوله جماعة من أصحابه كالنجوم يعظمونه ويبجلونه فقال:
كل من هذا الرطب! فجلست وأكلت معه من الرطب وناولني بيده المباركة ست رطبات
سوى ما أكلت بيدي، ثم نظر إلي وتبسم وقال لي: ألم تعرفني؟ فقلت: كأني غير أني ما
أتحقق، فقال: