دسست حمراء كالشّهاب له ... من كفِّ خمّار حانةٍ أفك
يحلف عن طبخها بخالقه، ... وربَّ موسى ومنشىء الفلك
كأنَّما نصب كأسها قمرٌ ... يكرع في بعض أنجم الفلك
ومن النِّفاق أن يظهر الإنسان شرب ما أجاز شربه بعض الفقهاء، ويعمد إلى ذات الإقهاء، فقد أحسن الحكميُّ في قوله:
فإذا نزعت عن الغواية، فليكن ... لله ذاك النَّزع، لا النّاس
وقد آن لمولاي الشّيخ أن يزهد في شيمة حميد، وينصرف عن مذهب أبي زبيدٍ وإنَّما عنيت حميداً الأمجيَّ قائل هذه الأبيات:
شربت المدام، فلم أقلع ... وعوتبت فيها فلم أرجع
حميد الّذي أمجٌ داره، ... أخو الخمر ذو الشَّيبة الأصلع
علاه المشيب عى حبِّها، ... وكان كريماً فلم ينزع
وقال آخر:
تعاتبني في الرَّاح أمٌ كبيرةٌ ... وما قولها، فيما أراه، مصيب
تقول، ألا تجفو المدام فعندنا ... من الرّزق تمرٌ مكثبٌ وزبيبُ؟
فقلت: رويداً مالزّبيب مفرّحي، ... وليس لتمرٍ في العظام دبيب
فإنّ حميداً علَّها في شبابه ... ولم يصح منها حين لاح مشيب
وإذا تسامعت المحافل بتوبته، اجتمع عليه الشّبان المقتبلون، والأدباء المتكلمون، وكلُّ أشيب لم يبق من عمره إلاّ ظمء حمارٍ، كما اجتمع لسمر أصناف السُّمّار، فيقتبسون من آدابه، ويصغون المسامع لخطابه، وجلس لهم في بعض المساجد بحلب، حرسها الله، فإنَّها من بعد أبي عبد الله بن خالويه