واستقللت ببني جعدة، وليوم من أيَّامهم يرجح بمساعي قومك. وزعمتني جباناً وكذبت! لأنا أشجع منك ومن أبيك، وأصبر على إدلاج المظلمة ذات الأريز، وأشدُّ إيغالاً في الهاجرة أمِّ الصَّخدان.
ويثب نابغة بني جعدة على أبي نصير فيضربه بكوز من ذهب. فيقول: أصلح الله به وعلى يديه: لا عربدة في الجنان، إنّما يعرف ذلك في الدار الفانية بين السَّفلة والهجاج، وإنّك يا أبا ليلى لمتنزِّع. وقد روى في الحديث، أنَّ رجلاً صاح بالبصرة: يا آل قيسٍ! فجاء النابغة الجعديُّ بعصيّةٍ له، فأخذه شرط ابي موسى الأشعريّ فجلده لأنَّ النبيَّ، صلّى الله عليه وسلّم، قال: من تعزىّ بعزاء الجاهليّة فليس منّا. ولولا أنَّ في الكتاب الكريم:" لا يصدَّعون عنها ولا ينزفون " لظننَّاك أصابك نزف في عقلك. فأمّا أبو بصيرٍ فما شرب إلاّ اللَّبن والعسل، وإنَّه لوقور في المجلس، لا يخفُّ عند حلِّ الحبوة. وإنّما مثله معنا مثل أبي نواسٍ في قوله:
أيُّها العاذلان في الراح لوما ... لا أذوق المدام إلاَّ شميما
نالني بالعتاب فيها إمام ... لا أرى لي خلافه مستقيما
إنّ حظيَّ منها، إذا هي دارت، ... أن أراها، وأن أشمَّ النّسيما
فاصرفاها إلى سواي، فإنّي ... لست إلا على الحديث نديما
فكأنّي وما أحسِّن منها، ... قعديُّ يحسِّن التَّحكيما