لم يطق حمله السّلاح إلى الحر ... ب، فأوصى المطيق ألاّ يقيما
فيقول نابغة بني جعدة قد كان النّاس في أيّام الخادعة يظهر عنهم السَّفه بشرب الّلبن، لا سيَّما إذا كانوا أرقَّاء لئاماً، كما قال الراجز:
يا ابن هشام أهلك النّاس اللَّبن ... فكلُّهم يغدو بسيفٍ وقرن
وقال آخر:
ما دهر ضبَّة، فاعلم، نحت أثلتنا ... وإنّما هاج من جهَّالها اللَّبن
وقيل لبعضهم: متى يخاف شرُّ بني فلانٍ؟ قال: إذا ألبنوا. فيريد، بلَّغه الله إرادته، أن يصلح بين النُّدماء، فيقول: يحب أن يحذر من ملكٍ يعبر فيرى هذا المجلس، فيرفع حديثه إلى الجبار الأعظم، فلا يجرُّ ذلك إلاَّ ما تكرهان، واستغنى ربُّنا أن ترفع الأخبار إليه، ولكن جرى مجرى الحفظة في الدار العاجلة، أما علمتما أنّ آدم خرج من الجنَّة بذنبٍ حقير، فغير آمنٍ من ولد أن يقدر له مثل ذلك.
فسألتك يا أبا بصير بالله هل يهجس لك تمنَّي المدام؟ فيقول: كلا والله! إنها عندي لمثل المقر لا يخطر ذكرها بالخلد. فالحمد لله الذي سقاني عنها السُّلوانة، فما أحفل بأمِّ زنبقٍ أخرى الدهر.
وينهض نابغة بني جعدة مغضباً، فيكره، جنَّبه الله المكاره، انصرافه على تلك الحال، فيقول: يا أبا ليلى، إنَّ الله، جلَّت قدرته، منَّ علينا بهؤلاء الحور العين اللواتي حوَّلهنَّ عن خلق الإوز، فاختر لك واحدة منهنَّ فلتذهب معك إلى منزلك، تلاحنك أرقَّ اللَّحان. وتسمعك ضروب الألحان. فيقول لبيد بن ربيعة: إن أخذ أبو ليلى قينةً، وأخذ غيره مثلها، أليس ينتشر خبرها في الجنَّة، فلا يؤمن أن يسمَّى فاعلو ذلك أزواج الإوزّ.